Translate

Sunday, June 26, 2011

حملة "علي عزت بيجوفيتش" لن ننساك

علي عزت بيجوفيتش


اقتراح: 
اقترح أيها الزوار الكرام  أن نبدأ في حملة تجديد المعلومات و توعية للقراء بدور المفكر و الرئيس الراحل "علي عزت بيجوفيتش" قبيل ذكرى مذبحة سربرينتشا  من بداية يوليه حتى نهايته. و ذلك بأن نلقي الضوء على أعماله الفكرية و الإسلامية فضلا عن جهوده السياسية و الحربية أثناء توليه الرئاسة و حرب البوسنة.


الهدف من الحملة:
لقد كان " علي عزت بيجوفيتش" مفكرا قبل أن يكون حاكما. و علينا الاستفادة من فكره و خبرته خاصة في ظل الثورات العربية الحالية. كما إننا نريد أن ننعش معلوماتنا عنه و نعرف المزيد مما خفي عنا من علم هذا المفكر الكبير. تهدف الحملة إلى التركيز على الجانب المعرفي بعيدا عن المهاترات و الجدال...  



تطبيق الحملة: 
هيا لنبدأ كلنا في الكتابة عنه و عن فكره، هيا لنعرض رؤيتنا المتواضعة حول فكره،  هيا نلخص أحد الكتب أو نقول رأينا فيها على صفحات مدوناتنا أو الفيسبوك بعد قراءة أحد هذه الكتب من الروابط  التالية باللغة العربية:




ثم ستجمع التدوينات و روابطها  ليقرأها الجميع على صفحات المدونة أو على صفحات الراحل على الفيسبوك:


في انتظار اقتراحاتكم، و مشاركاتكم عبر التعليقات....


شعار الحملات التي تتبناها مدونة "شيء بقلبي":


"أمة واحدة تفكر و تبني" د/ سوِنِت
 "One nation; thinks and builds" Dr Sonnet  
PLZ Share: July is the month all bloggers remember Bosnia, Srebrenica,..NOW, they will start a campaign to write about:
"Alija Izetbegovic ; we will not forget " 


Tuesday, June 07, 2011

مجزرة البونسة و تخاذل الغرب 3

Screen capture From BBC documentary: A cry form the grave General Ratko Mladic says: "The time has come to take revenge on the Muslims"

مجزرة البونسة و تخاذل الغرب 1

مجزرة البونسة و تخاذل الغرب 2

مجزرة البونسة و تخاذل الغرب 3

 

الفصل الخامس:
كان التطهير العرقي في البوسنة بقصد إذلال شعب و تدمير ثقافتهم بمثل ما كان بقصد قتلهم. فلم يكن العدوان الصربي على التراث المعماري العثماني و الإسلامي في كل أنحاء البلد ناتجا عن القتال- و كما يقول الجنود دمارا مصاحبا- بل كان هدفا مهما للحرب. فبالنسبة لقيادة صرب البوسنة لم تكن صربنة مناطق في البوسنة، و التي كانت مختلطة قبل الحرب، لتتحقق بمجرد طرد كثير من غير الصرب الذين عاشوا في  القرى. فحتى بعد عامين من القتال، كان من المألوف أن تقابل أناسا في معسكرات اللاجئين يسألون متى ينتهي (كل هذا) و متى يعودون للعيش مثلما كانوا من قبل.
 
الفصل السادس:
و إلا فلماذا تكون المئذنة حطاما؟ لقد تم في آن معا تطهير عقول الصربيين و أجساد المسلمين في (البوسنة).
الغرب لم يساعد (البوسنة). و قد اتهم مواطن غاضب (ساداكو أوجاتا)، رئيستهم بالمفوضية العليا للاجئين في أحد هذه الاستطلاعات بأنها لم تكن راغبة في مساعدة البوسنة لأنها كانت ماسونية و مرتبطة بمكاتب للحركة الماسونية في (صربيا(. و ما كان أكثر شيوعا و خطورة أنه اصبح شيئا عاديا في (سراييفو)، كما قالت لي ذات مساء الناقدة الفنية (نرمينا أن كسوسباهيتش) أن: (أوروبا تكره المسلمين. و ما يفكرون فيه حقيقة هو أن الصرب يقومون بالعمل عنهم).

...عائلات أصحاب المناصب العليا في حكومة (البوسنة) خارج البلاد. و قد أخبرني مقاتل في شرق (موستار) أن (سلازديتش) أرسل عائلته إلى (باكستان)، و الآخرون على نفس المنوال. إن الامر سهل بالنسبة لهم. فهم لا يهتمون إذا استمرت هذه القذارة إلى الأبد).
سألتني سيدة كانت يوما قاضية، في حفل استقبال في صالة للفنون أقامها السفير الفرنسي الوافد حديثا على (سراييفو): ( هل تعرف أسلوب حياتنا قبل ذلك؟ و هل يمكنك تخيله و أنت تنظر إلى حطام ما كنا فيه؟ لقد كنا نعيش أفضل منكم فأنا أعرف الكثير عن (نيويورك) و جرائمها و سكانها الفقراء. لم يكن ذلك لدينا شيء من ذلك في (البوسنة). كنت تستطيع أن تمشي في الشوارع في (سراييفو) إلى أي وقت متأخر تشاء) و هنا امتلأت عيناها بالدموع (تلك الحياة الرائعة، إنني في شوق يائس إلى عودتها، لم أكن نفس الشخص الذي تراه الآن. فلم أكن المرأة التي تراها الآن، الرئة الفقيرة في تلك الملابس الرثة الكريهة التي لم تستطع أن تخفيها كل الروائح عندي. و كما ترى أن الانسانة التي كنتها) ثم ابتسمت و بعد صمت كررت: (بالنسبة لي سأكون دوما نفس الإنسانة التي كنتها قبل ذلك).
راقبت القاضية ذلك بعينها في ثبات ثم قالت: (جميل جدا. لكن كان أمرا في غاية السوء في الوقت ذاته ألا يرسل الفرنسيون جنودا هنا لحمايتنا. لقد كانوا يستطيعون ذلك، كما تعلم، لقد كانت لديهم القدرة طول الوقت. كان الأمر غاية في السهولة بالنسبة لهم. لكنهم بدلا من ذلك تركونا للموت).
 
الفصل السابع:
أيا  كان طول الفترة التي ظلت مسيرة الموت و التطهير العرقي فيها محتدمة و متواصلة في (البوسنة)، و أيا كان تكرار مسؤولي الأمم المتحدة سرا و علانية أن قوات الحماية التابعة للأمم المتحدة متواجدة في (البوسنة) للتدخل فقط (لحماية أنشطة المساعدات الإنسانية خلال الحرب)، كما قالها (ماراك جولدنج) و هو رئيس سابق لإدارة عمليات حفظ السلام التابع للامم المتحدة، فإن البوسنيين العاديين لم يستوعبوا مطلقا أن الأمم المتحدة تعني ذلك حقا.  فقد كان المفروض أن تكون الأمم المتحدة أكثر أخلاقية من أكثر الحكومات استنارة، و مع ذلك فما كان يحدث في (البوسنة) كان سقوطا أخلاقيا صريحا. كان المفروض أن تساند الأمم  المتحدة السلام....
فإذا كان كل ما تنوي أن تقوم به الأمم المتحدة هو إحضار الطعام و الدواء، أفلا يعني ذلك مجرد بقاء الناس أحياء لفترة أطول حتى يتوافر للصرب مزيدا من الفرص لقتلهم؟ ألا يبدو متناقضا أن يخاطر جنود الأمم المتحدة و سائقو قوافل الللجنة العليا للإغاثة بحياتهم و أحيانا يفقدون أرواحهم لجلب الطعام إلى المناطق المعزولة و لكنهم يرفضون بعناد إسكات البنادق التي كانت تسبب هذه الطواريء؟ إن من غير المتصور أن تقنع الأمم المتحد بالاستمرار في هذا الأسلوب بلا حدود.
كان من الصعب تجنب تلك التوقعات في (سراييفو). و بين حين و آخر كانت تصبغ بالنبرة العنصرية الواضحة للأوروبيين الذين يتوقعون معاملة خاصة من التاريخ. قال لي مرة رجل أعمال من (سراييفو) في نبرة أسى: ( لا استطيع أن أفهم لماذا لا تفعلون شيئا من أجلنا. إننا لسنا أفارقة، نحن أوروبيون متحضرون مثلكم تماما!)
لقد دأبوا على السؤال عن السبب، كما كان اليهود يسألون في أعقاب الهولوكوست و كما يسال الضحايا في كل مكان لماذا لم تكفهر السموات؟.
 
ما كان يسمى من قبل في (واشنطون) (بتأثير مقديشيو) وجد طريقه إلى جبال (البوسنة). و قد تفاخر مسؤول من صرب (البوسنة) و قال مرة (إنكم تظنون أن الرأي العام الأمريكي عندما انزعج قتل ثمانية عشر من جنودكم في أفريقيا. انتظروا حتى تبدأ الأكفان في العودة من (البوسنة). إنكم لم تعودوا أمة قوية. إنكم لا تستطيعون أن تواجههوا فكرة موت أطفالكم. أما نحن الصرب فنستطيع مواجهة الموت. فنحن لا نخاف و هذا هو السبب في أننا سنهزمكم إذا حضرتم لمساعدة أولئك الأتراك الذي تهيمون بحبهم).

و لكن في حين أن (عزت بيجوفيتش) أثبت أنه تمادى في تفاؤله عما سيفعله أولا يفعله الغرب، فقد كان يعرف تماما أن الطريق الذي اختاره شديد الخطورة. و هذا هو السبب في أن (عزت بيجوفيتش) ناقش انتشار قوات حفظ السلام في (البوسنة) مع (فانس) و عدد من مسؤولي قسم عمليات حفظ السلام أثناء زيارتهم ل (سراييفو) قبل بدء القتال بقليل. و كان المسؤولون الدوليون مدركين تماما لما يمكن أن يتلو من أحداث.
 
الفصل الثامن:
قال لي مرة مسؤول من الأمم المتحدة في (زغرب): ( إنا لن نفقد عملياتنا شرعيتها في العالم كله من أجل المحافظة على الدولة البوسنية).
و بعد اشتباكات قليلة توقفت تماما محالات الصرب لوقف القوافل، و في وسط (البوسنة) في أواخر 1993، تولى قيادة الكتيبة النوردية المختلطة قائد جديد و هو سويدي شديد البأس و اسمه (هندريكسون) و الذي قال لي ذات مرة : ( أخبرهم أن يدعوني أمر أو أفجر رؤوسهم الفارغة جميعا. صحيح، أحيانا لا يقبلون و عندئذ علي أن أعود. و لكن لا ضير إذا حاولت. فعليك أن تفعل ذلك في البلقان: أن تتصرف كالرجل الصلب أو يبولون فوق رأسك).
أما عن موضوع نجاح قوة الحماية التابعة للامم المتحدة فهو قول يشبه في الحقيقة قول إحدى الشخصيات في مسرحية هزلية قديمة: ( لقد نجحت العملية. فقط مات المريض). و لو أن مسؤولي الأمم المتحدة تكلموا لكان ذلك قابلا للفهم على أقل تقدير. أما الأمر الشاذ فهو أن تسمع أفضل الناس في قوة الحماية و في قسم عمليات حفظ السلام يقولون بإخلاص و في نفس واحد أنهم قاموا بعمل جيد بينما يعترفون في النفس التالي أن الوضع في (البوسنة) تحول إلى كارثة محققة.
هنا يأتي دور التشويه الاحترافي لمسؤولي حفظ السلام، فكما قال لي مسؤول في قسم الشؤون المدنية التابع للامم المتحدة في (سراييفو): ( عليك أن تتعلم كيف توزع نفسك في هذه المهنة. فانا أعرف ما فعله الصرب في (البوسنة). لقد رأيت الجثث و سمعت بكاء النساء. و لكن لا يهم أين يذهب تعاطفي أو ما أقوله أو ما كنت أريد أن يتم عمله لو أنني صحفيا مثلك. فعملي ليس محاربة الصرب و لا شجبهم. أنا هنا لمساعدة (البوسنة) بقدر ما استطيع، و لكي أفعل ذلك فليس على فقط أن أبدو محايدا أعامل الصرب و المسلمين على قدم المساواة، و لكن حيث أن الصرب هم المنتصرون في هذه الحرب، و حيث يلزمك تصريحهم بأن تقوم بمعظم الأمور هنا، فقد كان علي أن أكون على وفاق معهم).
فبوضع العقبات أمام الضربات الجوية تمكنت الأمم المتحدة من الحفاظ على مهمتها و تمكن الصرب من المحافظة على مكاسبهم على أرض المعركة. فلا عجب أن تكون العلاقة بين الصرب و قادة قوة الحماية التابعة للأمم المتحدة سمنا على عسل. 
و الواقع أنه كان من رأي كثير من مسؤولي الأمم المتحدة أن المجرمين الحقيقيين في حادثة تفكك (يوغسلافيا) لم يكونوا (كاردزيتش) أو (ميلوسيفيتش) و بل (فرانكو تودمان) و (هانز ديتريش غنشر) و (علي عزت بيجوفيتش) مع الترتيب التنازلي في إلقاء اللوم. و لقد اعترفوا أن (عزت بيجوفيتش) حاول قدر المستطاع الإبقاء على وحدة (يوغسلافيا). لكن مع اعتبار (ميلوسيفيتش) فوق أي طعن، فقد توصلوا إلى أن (عزت بيجوفيتش) يتحمل مسؤولية القبول بأي شيء يرغب القائد الصربي في تقديمه له. ذلك ما اعتقدوا أنه الموقف الصحيح في 1991 ، و قابل للتطبيق بنفس الدرجة عام 1994.

الفصل التاسع:
 استرد العالم شرفه في (البوسنة) من خلال أولئك الذين يعملون في (منظمات الإغاثة غير الحكومية)  و اللجنة الدولية للصليب الأحمر و مكتب المفوضية العليا للاجئين بالأمم المتحدة. لقد عملوا هناك بدون أي جدول أعمال سري و رفضوا بشدة القبول بفكرة أن مصالح الدول الكبرى التي تمولهم تجبرهم على تنفيذ جداول الأعمال السياسية لتلك القوى.
و قد كتب (جون سويني) مراسل الأوبزيرفر اللندية حول ذلك بقول: ( بالنسبة لكثير من الصحفيين كانت اللحظة الحاسمة عندما أخبر متحدث للأمم المتحدة مؤتمرا صحفيا أنه قد تم الاتفاق على وقف النار و أراد أن يشكر الصرب على تعاونهم و في اللحظة التالية انبطح الجميع على الأرض بفعل ضربات المدفعية الصربية).
إن مثل تلك القصص أسوء من أن تعرف فقد كانت شيئا مألوفا. كانت تمر أوقات يبدو فيها و كان شعار قوة الحماية التابعة للأمم المتحدة ينبغي أن يقرأ على النحو التالي: (العمل من أجل استسلام البوسنيين). فبعد كل شيء، ألم يكن الاستسلام من جانب حكومة (البوسنة) هو أضمن طريق إلى السلام؟ هكذا اعتقدت الأمم المتحدة مهما لبست مسوح الإنسانية.
كان (منديلوس) قد قال: أحيانا تذكرني الحياة في هذا البلد ب(ماكوندو) في كتاب (جارسيا ماركيز) (مائة عام من العزلة). لم يكن الوضع سهلا في (كردستان) أو أمريكا الوسطى، و لم يكن بأي حال سائغا. و لكن هناك أوقات يكون كل ما أحلم به أن يرسلوا بي إلى مكان استوائي حيث الأمور واضحة، مكان يكون فيه لاجئون و بلاد ترسل و تستقبل، دون تعقيدات أخرى. إن هذه الازمات من الصعوبة بحيث لا يوجد لها حل. و لكن أن تحاول خلق مناطق آمنة و مناطق محمية وسط أتون الحرب، عندما تكون الجبهة في تغيير مستمر و لا يكون اللاجئون نتاج الحرب، كما كان في (السلفادور)، بل هم هدف شنها في المقام الأول- فكيف يمكن للجنة العليا للإغاثة أن تقوم بذلك؟ إنهم يقدمون لنا المزيد من الجنود. و أنا لم أطلب مطلقا جنديا واحدا. و في الوقت نفسه، لدي خمسين شاحنة لإعادة إمدادا مئات الآلاف من البشر. حتى لو تم تشغيل الشاحنات على مدار الساعة، فكيف يفترض أن أفعل ذلك؟ لقد قمنا بعمل المعجزات من قبل و لكننا بدأنا نفتقدها الآن و الشتاء على الأبواب حيث تصبح كل مشكلة لدينا بدءا من مشكلة إبقاء الشحانات على الطريق إلى إطعام و كسوة اللاجئين أصعب على الحل بكثير).
....المسلمين لا يستطيعون الفرار من تلقاء أنفسهم. ففي محطة حافلات (بانيالوكا) علقت لافتة في خريف 1993 تعلن عن منع المسلمين من ركوب الحافلات، و في الخارج كررت الكتابة على الجدران تلك المزاوجة المميزة لللافتات العنصرية في العالم أجمع: ( ممنوع الكلاب أو المسلمين).
 
الفصل العاشر:
سألني عجوز في مقبرة (لايسون) في سراييفو في أبريل 1993: ( لم لا يلقي الأمريكان القنبلة الذرية على الصرب؟ و بعد لحظات انفجرت قنبلة (مورتار) على بعد ثلاثمائة متر. و قام المشيعون – و كانوا قد حضروا لدفن طفل عمره أربع سنوات قتله قناص قبل يومين- بالزحف أو بالأحرى بدأوا في حركات زحف صامتة بحثا عن ساتر حيث لم يكن هناك، باستثناء تمثال الأسد الذي شوهه القصف و الحافة التي يقف عليها وسط المقبرة، أي ساتر على الإطلاق. فحتى الشواهد في (سراييفو) أصبحت تصنع من الخشب بعد عام من الحصار. و يقول الحفارون إن الشواهد أصبحت بنصف سماكتها قبل ستة شهور. و حملقت في انفعال في قبرين تم حفرهما حديثا في نهاية أحد صفوف الدفن. و من خبرتي السابقة عرفت أنهما أكثر الأماكن أمنا للقرفصة إذا بدأ القصف جديا، و هو احتمال واضح حيث تخصصت القوات الصربية الرابضة على التلال المحيطة بالمدينة في إطلاق النار على المشيعين و هم يدفنون موتاهم. 

يقول القناص الصربي:
و يقول لنفسه (اعتقد أنني سأقتل الفتاة ذات السترة الحمراء)، أو يقول (اعتقد أنني سأدع الرجل الطويل يعبر الطريق و أحاول إسقاط صديقه، الشاب القصير غير الحليق في المعطف الصوفي، عندما يحاول أن يتبعه).

كان أمل الصحافة الغربية هو أن العارفين بالأوضاع في الوطن سيطلبون من حكوماتهم ألا تسمح بأن تقتل و يغتصب و يشرد مسلمو (البوسنة). و بدلا من ذلك فإن اللدغات الصوتية و (اللدغات المرئية) التي تم اختيارها من ميدان القتال نمت روح السفطة و اللامبالاة بشكل منظم أكثر مما نحجحت في تعبئة الناس للتصرف أو حتى لازدراء الوضع.
كان هناك نوع من (تأثير CNN ) بالمعنى الواسع و المتمثل في أنه لولا إظهار  BBC و  CNN  وغيرهما للمأساة البوسنية طول الوقت لخمدت في أذهان الناس بعد الشهور القليلة الأولى من القتال برغم أنها كانت تحدث على مائتي ميل من (إيطاليا). و بمفهوم أضيق، كانت كاميرات التليفزيون و ليس حلف الناتو في الواقع، ناهيك عن الأمم المتحدة، هي التي أنقذت (سراييفو) بعد المذبحة في السوق المركزي في أوائل فبراير 1994.
 
اقتباس من نهايات الكتاب:
 
(ما فهمته الصحافة و عجزت الأمم المتحدة عن فهمه هو: أن تكون عادلا و أن تكون محايدا ليسا الشيء نفسه...).
 
(و من المؤكد أن كثيرا من الأحلام قد تلاشت في (البوسنة) خلال السنتين و النصف السنة الماضية: الحلم بأن للعالم ضميرا، و الحلم بأن أوروبا مكان متحضر، و الحلم بأن هناك عدل للضعيف كما للقوي. و لن يكون غريبا أن يموت هناك الحلم القديم بأن الحقيقة سوف ترفع الأغلال عنا...إن الهزيمة ساحقة، و الخزي شامل).

Sunday, June 05, 2011

مجزرة البونسة و تخاذل الغرب 2

In this July 14, 1995, photo, refugee Ferida Osmanovic from Srebrenica is found hanged in a forest outside the UN base at Tuzla airport. The woman, who looked to be in her early 20s, had hanged herself with a torn blanket. More than 10,000 refugees from the UN safe haven of Srebrenica, captured by the Bosian Serbs, arrived in Tuzla. Bosnia Serb commander General Ratko Mladic announced that approximately 40,000 residents had been cleared from their homes in Srebrenica. (Darko Bandic/Associated Press) #


Bosnian refugees from Srebrenica cry over their missing men in the refugee camp at the Tuzla airport in a July 14, 1995, file photo. Bosnian Serb wartime general Ratko Mladic was arrested in Serbia on May 26, 2011, after years on the run from international genocide charges. (Wade Goddard/Reuters)#


Bosnian Muslim woman Alic Mina cries near the grave of her son, Mihrudin, before a mass funeral in the village of Memici on June 1, 2011. The remains of eight people, victims of an "ethnic cleansing" campaign that former Bosnian Serb military commander Ratko Mladic is accused of instigating, were retrieved from mass graves in Zvornik and buried during the mass funeral. Mladic was extradited to the Netherlands from Serbia on June 1 after 16 years on the run. (Dado Ruvic/Reuters)#


لقد جئت لأرض البوسنة لأكتب تقريرا صحفيا لمجلة أمريكية حول (التطهير العرقي) دون أن أفهم جيدا حتى المعنى المقصود من هذا التعبير. و انتهى بي الأمر إلى العودة إلى المنطقة مرات و مرات.
قال السينمائي البوسني أدمير كينوفيتش: (لمجرد أن النار تضرم في الدور الأرضي فإن ذلك لا يعني أن ساكني الأدوار الأعلى لن يشعروا بلهيبها في النهاية). و ذلك حين رفض الخروج من سراييفو ليوثق الحصار.
كانوا يقتلون بصفتهم مسلمين و يطردون من بيوتهم بوصفهم مسلمين. و لقد قال لي صديق من سراييفو ذات مرة: ( في البداية، كنت يوغسلافيا. ثم أصبحت بوسنيا. و الآن أصبحت مسلما. و لم يكن الخيار خياري. إنني لم أكن ذات يوم متدينا. و لكن بعد مقتل مائتي ألف، ما الذي تريدني أن أفعله؟ إن على كل إنسان أن يكون له بلد ينتمي إليه).

لقد عقدت الحكومات الأوروبية عزمها على أنها لن تفعل أي شيء للبوسنة أكثر من توفير الإغاثة الإنسانية.

كما قال (حارس سيلازتش) وزير الخارجية، ثم رئيس الوزراء، مرارا و تكرارا: ( إن ما يحدث هو إبادة جماعية. لقد اختار كثير من الناس في أوروبا أن يسموها حربا. و لكنها ليست بالحرب، إنها مجزرة).

قال لهم السكرتير العام للأمم المتحدة (بطرس غالي) في زيارته اليتيمة نهاية عام 1992م ما معناه أن (البوسنة) هي حرب الرجل الأبيض أو الغني. لقد وبخ أهل (سراييفو) المدهوشين قائلا: ( إنني اتفهم خيبة أملكم و لكنكم في وضع أفضل من عشرة أماكن أخرى من العالم.. و استطيع أن أعدد لكم القائمة)، ثم غادر المدينة. (!!!)


(لم أكن أشعر فقط و كأنني عدت من أرض الأموات، بل كأنني أيضا أصبحت كمن بعث بعد الموت)


صحيح أن منظر ثمان و ستين من الموتى و حوالي مائتين من الجرحى في السوق المركزي في (سراييفو) ولد استجابة أخيرا ... لكن كان هناك الكثير من أمثال تلك الصور من قبل و سيكون هناك الكثير في المستقبل. فإلى متى ستستمر اهتمامات الناس العاطفية؟ شهر؟ سنة؟

(و علي أية حال كان معظم السياسيين يميلون للتراخي من البداية. و كانت ملاحظة ( بسمارك ) الساخرة حول أن أهل البلقان لا يستحقون حياة سمكة الفرناد السليمة من بويرانيا هي أشهر عبارة).


و عن لقاء في أحد معسكرات اللاجئين يقول المؤلف:
(استمر الصمت طويلا كما يحدث غالبا في مثل هذه المواقف؛ هناك دائما شيء مخجل عند القيام بمثل هذه اللقاءات، إنه الشعور بأنك تسترق النظر، و أنت تقترب من خسائر الناس: متى غادرتم؟ ماذا حدث لعائلتكم؟ كم عدد قتلاكم؟ و المغتصبات؟ و المعذبين؟ لم تكن هذه الأسئلة على نفس طريقة النكتة المريرة للصحفي البريطاني الذي وصل إلى مسرح الفظائع قائلا: هل اغتصبت إحداكن، و تتكلم الإنجليزية؟ و لكن الوضع كان قريبا من ذلك).

يقول شخص من (كرواتيا): (و لكن على الأقل فقد أعطانا (تيتو) قليلا من فرصة التنفس. و عندما أمسك (ميلوسيفيتش) بالسلطة في (بلجراد) و بدا في تحويل الاتحاد اليوغسلافي إلى دولة متمركزة في بلجراد، فقد أصبح من غير المتصور الاستمرار في بقاء (كرواتيا) جزءا من (يوغسلافيا)....)
يقول المؤلف:
و بحلول عام 1993، و في كل أنحاء (يوغسلافيا) السابقة، وصل هذا الفهم الذي كونته كل الجماعات عن نفسها بوصفها الضحية التاريخية للمجموعات الأخرى إلى الحد أن الوضع الوحيد المقبول لكل منها هو البراءة المجروحة، و بهذه الروح، أعلن (بافليتش)...كان الاستشهاد الصربي عقيدة زائفة و مجيزة لمصلحتهم الذاتية أدت بالصرب لارتكاب الجرائم الفظيعة...تقول النكتة في (يوغسلافيا) لماذا أكون أنا الأقلية في بلدكم، بينما يمكن أن تكون أنت أقلية في بلدي؟)
(بدا أن المهمة الأساسية عند القوميين تكمن في خلق أو تضخيم الاختلافات بأكثر من الموجود فعلا. لقد فصلت العداوات التاريخية بين الكروات و الصرب كمجتمعات على فترات مختلفة في تاريخهم.)
(عندما يذهب المرء إلى قرية كان قد حدث فيها قتال، فقد كان من الأسهل أن تأخذ درسا في التاريخ من أن تحصل على وصف موثوق لما حدث في نفس اليوم. فلم يتحدث الصرب فقط من خلال الأحاديث المتلفزة و البيانات الصحفية عن هزيمتهم على يد الأتراك في أواخر القرن الرابع عشر الميلادي، بل تحدث الكروات كذلك عن مملكة (كرواتيا) التي زالت في القرن الحادي عشر، و أيضا تحدث المسلمون عن البوجوميليين.)
***
و هذا تقرير وصفي للتطهير العرقي، أو رؤية شاملة:
( تحولت المنازل و قرى بأكملها إلى ركام و كان السكان الأبرياء يذبحون بالجملة مع أعمال عنف لا تصدق و سلب و وحشية من كل لون- كانت تلك هي الوسائل التي استخدمت و مازالت تستخدم من قبل جنود الصرب و الجبل الأسود بهدف التحويل الشامل للشخصية العرقية (لتلك) المناطق، و بعد أن يهدأ القتال في أي منطقة معينة و يتم طرد السكان المحليين الباقيين على قيد الحياة يتم جلب المستوطنين الصرب و أبناء الجبل الأسود و غالبا من على بعد مئات الأميال ليحلوا محلهم و يسكنون في المنازل – تلك التي لازالت قائمة - التي يمتلكها الناس الذذين أجبروا على الفرار. كذلك كان تحويل الأماكن العامة يتم بشكل جذري. كانت المساجد تدمر بالنار و المتفجرات لتحويلها في كثير من الحالات إلى مواقع إنشائية حيث يبدأ أفراد المليشيا من الصرب في وضع الأساس لكنائس أرثوذكسية و التي كان تشييدها معيارا على انتصارهم لا يقل أهمية عن قتل أو تشتيت السكان غير الصربيين).
هذا التقرير الوصفي ليس معاصرا. فهو مأخوذ من (تقرير البعثة الدولية لبحث أسباب و مسيرة حروب البلقان) الصادر عن منحة (كارنيجي) للسلام الدولي عام 1914. و ما حدث في (البوسنة) و (كرواتيا) منذ 1991 لم يختلف كثيرا في الأيدولوجية و الأسلوب عن ذلك الذي حدث في أوائل القرن في كثير من نفس المدن و القرى و حدث مرة أخرى أثناء الحرب العالمية الثانية. و لكن كان هناك وهم أوروبي – تولد عن التمنيات و الرضا الذاتي الذي أصاب أجزاء كثيرة من أوروبا الغربية حتى جعل انهيار الشيوعية كل شخص يفكر مرة أخرى- في أن الناس في القارة القديمة و حتى في البلقان لن يستمروا في ذبح بعضهم البعض بمثل هذا الانتظام.
***
كان الناس يجيئون من كل أوروبا ليشاهدوا العروض، (مارسيل مارسو) و مسرح (يارما) التجريبي و (سكوبولين) برلين. و كان (زياد) صديقي هو المخرج، و هو مسلم مثلي و لكن رفقته كانت مختلطة تماما- صرب كروات و مسلمين و شاب نصف يهودي-، و لم يكن هناك غرابة في ذلك. كان الأمر طبيعيا؛ فقد كنا جميعا مختلطين على أي حال. فقد تزوجت ابنتي من كرواتي- و هما في زغرب مع والديه و الحمد لله. يقولون إن شعبنا كان منقسما إلى أعداد متساوية من الصرب و المسلمين و مجموعة من الكروات، و لكن معدل التزاوج بيننا كان مرتفعا لدرجة أنني اعتقد أن هذه الفوارق ستكون غير ذات معنى بعد جيلين لأي شخص باستثناء قليل من عجائز المتعصبين و بعض الريفيين) ثم توقف: ( لكن ذلك لن يحدث مطلقا الآن. فإذا قدر لنا أن نعيش فسنعيش كل في حيه الخاص –الصرب هنا، و المسلمون هناك، و الكروات في مكان آخر. يقول (كارادزيتش) أننا مثل القطط و الكلاب، و لكننا لسنا حيوانات، إننا آدميون. أو على الأقل آمل أن نكون كذلك. فأحيانا لا أكون متأكدا من ذلك. أحيانا أظن أن ما يجري الآن هو الحقيقة الإنسانية و أن الغربة كمنت في كيفية معيشتنا قبل أن يبدأ هذا. ربما أن (كارادزيتش) عبقري أو على أقل تقدير على صواب. هل تعلم ما حدث لمسرح (زياد)؟ حسنا، قبل الحرب كان لزياد مسرح، و هو برغم كلامه اللاذع، شخص عاطفي، (تابع) و هو ممثل صربي شاب. كان المسرح جمعية تعاونية و لم يكن بعض الممثلين يريدون انضمامه و لكن (زياد) أصر. و كان الشاب لطيفا. و على أي حال فعندما بدأت الحرب اختفى لأيام قليلة ثم عاد إلى المسرح، و في هذه المرة بمسدس في حزامه و في يده ورقة رسمية. كانت الورقة تخوله أن يصبح مديرا لمسرح (بانالوكا) للعرائس، يمكنك أن تخمن البقية. كان (زياد) أول من فصلوا).
***
قال جندي صربي للمؤلف:
قاطعه رفيقه موجها كلامه لي: ( لماذا تكرهون أنتم الأمريكان الشعب الصربي الآن؟ كنا حلفاء في حربين عالمتين نقاتل معا. فلماذا تساندون الفاشيين؟ هذا وضع سيء. يجب أن نكون أصدقاء) و توقف ثم قال (يقول كثير من رفاقي أن أمريكا أصبحت بلدا سيئا. أنا لا اعتقد ذلك. إنني اعتقد أنكم لم تفهموا ما حدث هنا. هل تعرف شيئا عن معركة (كوسوفو) عام 1389؟) لا بد أنني كشرت لأنه هز رأسه، و امسك بمعصمي و قال (لا، في الحقيقة إنه أمر مهم. أنتم الأمريكان لا تهتمون بالتاريخ و لكن عليكم أن تهتموا. الصرب لديهم التاريخ فقط. فلخمسمائة عام، كنا نحن الصرب ندافع عن الحضارة الغربية ضد الأتراك و قد فعل (فوك كارادزيتش) ذلك في القرن التاسع عشر و يفعل ذلك الآن قائدنا (رادوفان كارادزيتش(. إننا جميعا نفعل ذلك، جميعنا! و مع ذلك تجعلون منا العدو، و هذا خطأ). و ترك معصمي و ربت على ظهري بلطف ثم قال (الأمر لا يهم: دعنا لا نضيع الوقت في الكلام عن الأتراك الملاعين فإننا سنتشاجر. دعنا نطلب شرابا آخر).


و عن المفوضية العليا للاجئين بالأمم المتحدة يقول المؤلف:
كان هذا هو النامط الغالب في أنحاء البوسنة و هو أن يرفض الصرب باديء الأمر السماح بمرور المساعدة، ثم يطلبون أن يحصلوا على نصيب، و ترفض الأمم المتحدة باديء الأمر في إصرار على أن يكون التوزيع على أساس الحاجة، ثم يكسبون الوقت، ثم في غالب الأحيان يواجهون الاختيار بين مرور المساعدة أو ألا تدخل المساعدة، ثم يرضخون لمطالب الصرب.
جاء الجيران و أخبروه: (إنك مثقف، و الشتنيك يقتلون جميع المرموقين المسلمين. و عليك أن تهرب. اذهب إلى نهر (السافا) فالتيار ليس قويا هناك. و أنت تستطيع السباحة و النجاة بحياتك). لكن أخي رفض، و قال: (لن أغادر؛ فلم أفعل أي شيء ضد أي شخص. إنني حتى لست مسلما متدينا؛ فأنا أشرب الخمر و آكل لحم الخنزير). و بذلك فقد بقى، و أتى الجنود، و قتلوه كما سبق و حذره القرويون. ثم استطرد يقول: ( و الآن أظل أفكر في موته، و لكني لا استطيع الكراهية. إنني لا استطيع الكراهية. إنني أحيانا أتضرع إلى الله و أنا مسلم غير متدين أن ياتي و يزيل من وجه الأرض أولئك الخنازير الذين قتلوا أخي، و لكني أدرك أنني لا استطيع أن أرفع إصبعي للمساعدة في إزالتهم. إنني اتساءل طوال الوقت هل أنا على حق في أن أكره؟ هل أنا على حق في التمسك بمشاعري العالمية؟ أظن ذلك.)

قبل بدء القتال كان يوجد تقريبا ألف مسجد في (بوسانسكا كرايينا). و بحلول شتاء 1994 بالتأكيد لم يكن هناك أكثر من مائة و ربما أقل كثيرا. و حتى مسجد (فوهايد) الكبير، وهو ربما أجمل مثال على العمارة الإسلامية في البلقان في القرن السادس عشر لم يسلم كذلك. فعلى مدى السنة الأولى من القتال كان يقف، غير بعيد من الميدان الرئيس في المدينة، كأثر على كل من الماضي الإسلامي و الحاضر المسلم ل (بانيالوكا). لقد تم تشويه جانب من واجهته بصليب مخدوش طبع على كل طرف فيه أربع حروف C (و هي حرف س في الأبجدية السيريلية) تمثل الشعار (الوحدة وحدها تنقذ الصرب) و لم يكن في ذلك شيء لافت للنظر. فقد كان أي ممكن لغير الصرب أو مساحة في متناول اليد على أي حائط في القرى و المدن التي استولى عليها التشتنيك ملطخا بذلك الصليب الأرثوذكسي و تلك الحروف الأربعة مصحوبة غالبا بالحروف JNA (الجيش القومي اليوغسلافي) و عبارة تفاخر أو الأسماء الأولى للجنود. لكن أحدا من معظم أهل (بانيالوكا) – الصرب و غير الصرب على السواء – أو الصحفيين الزائرين و عمال الإغاثة لم يكن يساوره قلق بشأن المسجد الكبير. فعلى عكس المسلمين أنفسهم بدا آمنا.


و قال (كرادزيتش)، و هو يلوح بذراعه نحو برج كنيسة مجاورة: ( كما ترون، هذه كنيسة كاثوليكية، و هي لم تدمر مثل المسجد تماما. نحن نعيش جميعا في سلام هنا و في كل أنحاء مناطق البوسنة الواقعة تحت الأيام الأولى من القتال
، أسوأ الأمور قد حدثت و انتهت. و في النهاية، ألم يحصل الصرب على كل شيء أرادوه؟ ألا يمثل استنزاف جهد القوات في عمليات اضطهاد السكان غير الصرب أو إضاعة المتفجرات في نسف الكنائس و المساجد من الناحية العسكرية عملا أخرقا طالما أن الحرب مازالت قائمة.
من جانب آخر، بدا الجنرال (ميلاديتش) بالفعل خلال الحرب مقتنعا بأنه قومي صربي في الوقت الذي أظهر عدد محدود من المسؤولين في بالي بوضوح أنهم أعطوا إجازة لإحاسيسهم كلية. أما (بيليانا بلافيتش) و التي كانت بغير حد أغرب المجموعة فقد استقبلت مرة (جوزيه ماريا منديلوس)، رئيس المفوضية العليا للاجئين في يوغسلافيا السابقة و هي تشكو من أن ( الرضع الصرب يقدمون أحياء طعاما لحيوانات حديقة الحيوان في (سراييفو). قالت ذلك في اللحظة نفسها التي كان يجازف فيها حراس الحديقة بمحباتهم للذهاب إلى الحديقة لإطعام الحيوانات، و هو عمل بطولي بلا طائل، حيث نفقت جميع الحيوانات أخيرا من الجوع. و حتى (منديلوس)، رغم كونه دبلوماسيا محنكا، لم يستطع حفظ اتزانه العقلي و صاح بلكنته الإنجليزية الثقيلة (يا سيدة (بلافيتش) إذا كان البوسنيون يقدمون الصرب الأحياء طعاما لحيوانات الحديقة، فلماذا تموت حيوانات الحديقة جوعا؟).

بل لقد قام فريق سينمائي تابع لمحطة BBC كان يتابع (كارادزيتش) في صيف 1992 بتسجيل حديث بينه و جنرال (ميلاديتش) و (بيليانا بلافيتش) عن شكاوى الحماية الدولية بخصوص نشاط الصرب الجوي و كان المنظر سيرياليا: يبلغهم (كارازيتش) بالاحتجاج فتقول (بلافيتش) ببساطة ( لم تكن الطائرات في الجو) لكن حتى (كارادزيتش) لم يستسغ ذلك حيث قال لها بغضب (بالطبع كانت في الجو يا (بيليانا)، كنا نطير كالمجانين ذلك اليوم). أما رد فعل (ميلاديتش) فكان أن (ينفلقوا) و ظهر و هو ينقر بأصابعه و غضبه يتزايد من المحادثة كلها. و مع ذلك ففي النهاية تقرر أن يقوم (كارادزيتش) بإعلام الأمم المتحدة بأن الطائرات كانت في الجو لانه كان يوم الاحتفال ب (يوم الطيران) الصربي. أما مسألة ما سيفعلونه إذا لم تقبل الأمم المتحدة التفسير، فلم ترد في الحديث مطلقا.
و كان (كارادزيتش) و (ميلاديتش) و (بلافيتش) على حق في افتراضهم أن على الأمم المتحدة أن تقبل أي تفسير يقدمونه. و رغم أن ما حدث بعد ذلك أثبت أنهم كانوا مخطئين في نشاطهم الجوي إذ تم فعليا تطبيق قرار المناطق التي يحظر فيها الطيران....
كان يتفاخر قائلا: ( إننا نحن الصرب ننقذ أوروبا، حتى إذا كانت أوروبا لا تقدر صنيعنا و حتى لو كانت تلعنه).
جندي صربي يقول:
ظننت أننا نستطيع جميعا العيش معا في سلام في (البوسنة). فقد كان لي أصدقاء مسلمين و بالطبع كثير من التلاميذ. و حتى بعد انتهاء الشيوعية ظننت أن الأمور على ما يرام. إن الأتراك منافقون و ماكرون. كان (عزت بيجوفيتش) يقول شيئا على التلفاز و لكن عندما يتحدث مع أعضاء حزبه يتكلم عن بناء دولة إسلامية هنا في (البوسنة). ابحث عنهم أو ابحث في مجلة حزبهم SDA . إنني متأكد من وجود نسخ في (سراييفو) – ستجد قصصا عن بناء مساجد في كل أنحاء (البوسنة)، في المدن الصربية. و في مؤتمر حزبهم عام 1991 أقسم (عزت بيجوفيتش) أن يستعيد للبوسنة هويتها المسلمة (الحقيقية). فماذا كنت تتوقع أن يفعل الصرب؟


يقول المؤلف:
إن دفع الأفراد إلى القتل ليس صعبا بالدرجة التي يبدو عليها. فالوحشية موجودة في كل حرب أهلية ونادرا ما يكون لها عمق أخلاقي (رغم أنه قد يبدو من قبيل التناقض أن الصراع في البوسنة كان مزيجا من الحرب الأهلية و حرب العدوان، لقد كانت بالغة القسوة كالأولى و أحادية الجانب كالثانية). فما إن تبدأ إراقة الدم فإن المقاتل المفرد يتعطش للانتقام قدر تعطشه للانتصار.
و قد صعب على الأجانب تصديق تلك الروايات في باديء الأمر، و نفاها تماما المدافعون عن الصرب. و مع ذلك فقد ثبت في نهاية الأمر صحة معظم أكثر الروايات فظاعة و التي حكاها مسلمو البوسنة منذ بدء القتال عن عملية التطهير العرقي و هي القصص التي رفضت منذ البداية على أنها مبالغات. كانت الأعداد محل تساؤل. فهل تم اغتصاب خمسين ألف امرأة مسلمة و أجبرت ألوف كثيرة منهن على الإبقاء على ثمار الاغتصاب للنهاية (حيث إن مضامين تلك الخطوة الأخيرة واضحة فبعكس اليهود فإن امتداد العرق للأب محسوم لدى كل من الصرب و المسلمين) أو أن العد كان (فقط) خمس عشرة ألفا؟ و هل كانت هناك عشرات من المعسكرات السرية حيث يذبح المسلمون أو دستة (فقط)؟ أما المذبحة فلم تكن محل تساؤل.

و لا مجال للدهشة إزاء هذا الافتقار للحساب الاقتصادي في (حرب القرى) تلك، أو للدهشة من تدمير المكتبة الوطنية في (سراييفو) و التي لم تكن لها قيمة عسكرية بل كان تدميرها مستهدفا بشكل خاص من قبل المسلحين من صرب (البوسنة) المتمركزين في التلال فوق المدينة أثناء الأيام الأولى.

و كانت إحدى السبل المستخدمة أن تدخل مجموعة من المقاتلين الصرب منزلا، و تأمر الرجل القاطن فيه أن يذهب معهم إلى جارهم المسلم. و على مرأى من القرويين الآخريين، يساق إلى هناك، و يستدعى المسلم للخارج و يعطى الصربي بندقية كلاشنكوف أو سكينا- السكاكين أفضل- و يؤمر بقتل المسلم. فإذا فعل فقد اتخذ الخطوة اللازمة لعبور الخط الذي يهدف إليه التشتنك. أما إذا رفض، كما فعل كثيرون، فالحل بسيط أن يتم قتله على الفور، ثم تكرر العلمية مع الصربي صاحب المنزل التالي، و إذا رفض يقتل برصاصة. و نادرا ما كان يضطر التشتنيك لقتل صربي ثالث. و كما أخبرني مقاتل في (بومانكاكروبا)، و لشدة دهشتي، في طرب متباهيا بهذا التكنيك ( عند البيت الثالث، يرتعدون هلعا، و يسألونك: أين تريد إصابة المسلم؟ و كم مرة؟).

لقد كانت حلقة مفرغة. فالأمم المتحدة تمد الناس بالغذاء و تتركهم عرضة لقصف القنابل، و مجلس الأمن يعلن عن ( مناطق آمنة) لا تعمد قوة الحماية إلى كفالة سلامتها كما لا تملك القوات التابعة لأمم المتحدة القدرة على ضمان هذه السلامة، و ترسل قوافل الإغاثة ضباط حماية إلى الميدان معروف سلفا أنهم لا يستطيعون توفير الحماية.
و يلوم المؤلف أهل (البوسنة) أنفسهم و كبارهم حينما لجؤوا إلى التقوقع و عدم الاحتراز:
كذلك لم يكن الأفراد من أهل (سراييفو) على درجة كبيرة من الانزعاج لما كان يجري في (كرواتيا) في ذلك الوقت. و قد فر كثيرون منهم ذلك بقولهم بأنهم كانوا في غاية الرعب مسبقا بينما كان آخرون اكثر استنكارا لأنفسهم متذكرين في عجب أنهم كانوا ببساطة لا يعتقدون أي شيء مثل هذا يمكن أن يحدث في (البوسنة). و قد قال لي صديق: ( لقد تعودت على تحويل القناة عندما يبدأ بث رسائل إخبارية من (فوكوفارد) لقد كان علي أن أبدي اهتماما أكثر).


الأمم المتحدة تدافع عن نفسها:
و ظل كبار المسؤولين يذكرون بأن التفويض لقوات الحماية التابعة للأمم المتحدة لم يكن لحماية البوسنيين بل لحماية جهود الإغاثة الإنسانية أيا كان اللبس الذي يثيره اسمها.

Wednesday, June 01, 2011

كتاب مجزرة البونسة و تخاذل الغرب 1

كتاب: مجزرة البونسة و تخاذل الغرب
تأليف: ديڨيد ريف
ترجمة: عبدالسلام رضون، و محمد الصاوي الديب.
الناشر: مؤسسة الشراع العربي، الكويت، الطبعة الأولى عام 1995.

مجزرة البونسة و تخاذل الغرب 1

مجزرة البونسة و تخاذل الغرب 2

مجزرة البونسة و تخاذل الغرب 3

 سأعرض الكتاب و قد انتهجت فيه طريقة الاقتصاص المرتب لفصول الكتاب العشر، مع الإضافات البسيطة اللازمة. سأضع في طيات العرض صورا موثقة من مجزرة (البوسنة) لم ترد في الكتاب. لكن دعونا نبدأ كما تعودنا بترجمتي الخاصة لما كتب عن هذا الكتاب.  


يكتب (ديڨيد ريف) بمعرفة شاملة جدا، و طريقة متعمقة جدا، و بعاطفة فائرة جدا، و مبادىء أخلاقية نشيطة جدا، مما يجعلنا لا نخرج من قراءة كتابه إلا بأمل للبشرية.

يربط (ديڨيد ريف) مأساة البوسنة بالنار والغضب.

لا اعتقد أن أحدا يستطيع قراءة هذا الكتاب إلا و مصحوبا بالألم والغضب.

في هذا العمل المبهر و الصادم و المقلق جدا، يكتب لنا (ديڨيد ريف) من منطقة حرب (البوسنة) ومن العواصم ومقرّ الأمم المتحدة الغربي، يتّهم الغرب والأمم المتّحدة بالوقوف صمتا دون فعل أي شيء ليوقف الإبادة الجماعية لمسلمي (البوسنة). المجزرة هو الترجمة و التفسير الجازم لهذه الحرب و الذي سيذكر دوما بالفشل الأعظم للدبلوماسية الغربية منذ الثلاثينات.

(البوسنة) كانت أكثر من مأساة إنسانية. كانت شعارا فاشل و ارتباك المجتمع الدولي في ما بعد فترة الحرب الباردة. في (البوسنة)، ظهرت مرة ثانية الإبادة الجماعية والفاشية العرقية في (أوروبا) للمرة الأولى في غضون خمسين سنة.

لم تكن هناك إرادة أو رغبة لمواجهتهم؛ إما من ناحية (الولايات المتّحدة)، أوروبا الغربية، أو الأمم المتّحدة، حيث كانت التجربة البوسنية هائلة ومثيرة للإحباط مثل (فيتنام) بالنسبة إلى (الولايات المتّحدة). إنه الفشل ونتائجه الذي يشرحه و يصنفه (ديڨيد ريف) في ظل هذه الحرب.

قد يقول أحدهم بأنّ هذه الحادثة المروّعة، كمافي كتاب (ديڨيد ريف) الممتاز والغاضب جدّا، كان مثالا من ردّ فعل العالم تجاه (البوسنة): حياد خاطئ بين القاتل والضحيّة يتحرّكان نحو الانغماس النشط ضدّ الأخير؛ رفض لقبول اللوم أو المسؤولية لأعماله؛ دولة عضو من الأمم المتّحدة وقعت في غدر الأمم المتّحدة بشكل مبالغ و هي في طريقها إلى السلام تبلغ تصفيتها. أحدهم قد يقول هذا، لكن ذلك لن يكون كافيا. (ديڨيد ريف) يذكّرنا بالرعب الكامل ومجون الحرب البوسنية، ويزوّدنا بصور صادمة للقسوة الغربية.

(ديڨيد ريف) يناقش، بشكل صحيح، بأنّ تدخّل منظمة حلف شمال الأطلسي NATO وحده كان يمكن أن يوقّف التطهير العرقي. لقد كانوا أناسا عاديين؛ أطباء، معلمين، أباء، إلخ. الذين نشأوا في صدر الحضارة، في أوروبا. توقّعوا أن تلك الحضارة ستحميهم من الرعب المنطلق من قبل الصرب البوسنيين، و صدموا عندما لم تحدث تلك الحماية. الفهم كان أعلى من طاقتهم، هذا ببساطة لا يمكن أن يحدث في نهاية القرن العشرين في قلب أوروبا، لكنّه حدث.

أسوأ مذبحة في أوروبا منذ المحرقة،  250 000 قتيل. لماذا؟ السيد (ديڨيد ريف) يصل لنفس الاستنتاج في النهاية: الأسطورة و الوهم. لقد كان الأتراك و الإنكشاريين و ال  ...يأتون إلى الصرب في أحلامهم، بينما كان الواقع في قتل و اغتصاب مسلمي (البوسنة) بدلا من ذلك. لماذا قتلوا بوسنيا مسلما بالسبعين من عمره؟ ألا تفهم أنهم فعلوا هذا لأن في عام 1389 م ضرب الأتراك الأمير لازار في  سراييفو؟
5 August 1992: the enduring image of the Bosnian war, taken when Ed Vulliamy and Independent Television News uncovered the existence of concentration camps in Trnopolje, above, Omarska and Keraterm. Photograph: Reuters
تذييل الناشر العربي: 
على امتداد صفحات هذا الكتاب، يدين (ديڨيد ريف) – من واقع رؤيته المباشرة كشاهد عيان- و من قلب الأحداث في ميادين  الحرب، الغرب و الأمم المتحدة لوقوفهما موقف المتفرج بينما يجري في إفناء (البوسنة). و خلال تنقلاته كمراسل لمجلة أمريكية في منطقة البلقان لأكثر من عامين، من (سراييفو) إلى المدن و القرى الأخرى المحاصرة، لم يكن (ريف) يتصور في البداية  - شأنه في ذلك شأن البوسنيين أنفسهم- أن ما يشاهده إنما هو حرب للإبادة. و يحلل (ريف)، في هذا الكتاب، الشهادة بدقة و صرامة بالغتين، و من خلال حواراته مع المسؤولين  و الناس العاديين في قلب هذه القصة المأساوية، أبعاد السقوط الأخلاقي للغرب. إنها رحلة صادمة و مذهلة، و شهادة لا تقل قوة و عمقا عن رواية (جورج أوريل) الكلاسيكية لوقائع الحرب الإسبانية في (المجد لكتالونيا).

سربرنيتشا: صرخة من القبر Srebrenica: A Cry from the Grave


A Cry from the Grave tells the story of the Srebrenica massacre of 1995, in which the Bosnian Serb army killed an estimated 7,000 Bosnian Muslims.

It follows hour by hour the story of the killings. Through the testimony of survivors and relatives of those who died it explores the pain felt when no one is brought to justice.There are interviews with investigators from the UN-sponsored court at The Hague and from the UN special prosecutor.

But the underlying message of the film is bleak indeed - no matter what is done, it will never be enough. A Cry from the Grave has won numerous prizes. It has been shown at the UN, and it was used during a war crimes trial at The Hague.

To shoot an Elephant!