Translate

Wednesday, July 05, 2017

عزيزي جوجل ..أنت لا تعرف كيف كانت سوريا قبل الحرب.


يجيبكم السيد (جوجل) قائلا: كانت موطنًا كأي بلد آخر..هل حقا كانت كذلك؟


فاجأني موقع البحث الشهير (جوجل) بمشاركته مع مبادرة  المفوضية العليا للاجئين..لم يفاجئني تعاونهما و لا  ما يدعوان إليه من تبصير لحال اللاجئين السوريين بعد الثورة السورية في 2011. فهذه فكرة تعاون و تعريف ممتازة بدأت منذ سنوات..جوجل و ويكيبديا و و تويتر و فيسبوك و غيرهم من المواقع والمحركات تنبهك لمعلومة و أزمة اللاجئين بطريقة مميزة.

فلندخل معا هذه القوقعة لنعرف كيف كان حال شعب سوريا قبل الثورة..

لكن ما لم يعجبني و فاجئني حقا هو استخدام (جوجل) و (المفوضية العليا للاجئين) لبعض الحقائق الزائفة لحال السوريين أو حال (سوريا) قبل (الثورة)..هي حاليا أزمة..لكن أذكر قرائي أنها بدأت ثورة و رغم ما حدث من أزمات لكنها بإذن الله ستنجح يوم تحقق أهدافها كثورة.

 حيث يقول جوجل: بدأ الاحتجاج السلمي في العام 2011 وسرعان ما تصاعدت الأحداث إلى صراع دموي.

تعالوا  معي و انظروا كيف كانت سوريا كما جاء؟!

يقول السيد جوجل:


وفي العام 2010، كانت أهمّ عمليات البحث في سوريا عن Arab Idol
 Bodybuilding
 Summer Fashion
وكانت مقاطع الفيديو عن نادي برشلونة الأكثر رواجًا على  YOUTUBE

و سأسلم فرضا أن معدلات البحث الإلكترونية هي مؤشر ل (الحياة) و (السلام) الذين يعيشهما الشعوب. فهل هذا يسعدك أن يكون حال السوريين؟ هذا دليل على فراغ أو هروب و خوف من البحث عن شيء أكثر إفادة وسط قمع إعلامي و سياسي لسنوات..رغم محاولات التحايل و الوصول للمحجوب و الممنوع بتقنيات إلكترونية مختلفة..أبرزها منع  فيسبوك مثلا.

و أما البحث عن موضة ملابس الصيف..و عن اكتمال بناء الجسد و كماله..فهذا من باب الخيال..انظر يا (جوجل) معي للأجساد الفقيرة النحيلة التي ترتدي الملابس البالية في مدن الجزيرة السورية و هي الحسكة و دير الزور و الرقة (تقارير اقتصادية قبل 2010).
(كانت الهجرة الأكثر درامية تلك التي حدثت بسبب القحط بين عامي 2006 و2009 .وبحسب مجلة البيئة والتنمية؛ فقد "أشارت تقديرات الحكومة السورية وبعثة تقييم  الاحتياجات الموفدة من الأمم  المتحدة إلى أن أكثرمن 800 ألف شخص من الذين تأثروا بالجفاف فقدوا معظم مصادر دخلهم وهم يعيشون في ضنك شديد.)( مجلة التمية العدد212)
.بل انظر إلى مستوى الفقر في سوريا في بلد لا تشهد حربا خارجية في 2010 لكنها تشهد قمعا و ظلما داخليا لا حدود لهما لعقود..انتهى به لحد الانفجار في وجه الطاغية ..لحد (الثورة)..حين نكل بأطفال درعا البسطاء. مثلما فعل أبوه الطاغية الأسد الأب في حماة..فهل يبحث المخنوق المكبل بالأغلال و الفقر و الظلم لعقود من الزمن عن كمال الأجسام و موضة الصيف؟ أم  تراه يبحث عن برامج المسابقات التافهة لمجرد تضييع الوقت؟

و غاب عن الموقع أن هذا النمط من البحث يمثل الفئة التي تصل إلى الانترنت في وسريا..أي إنها غير ممثلة لشعب سوريا..غير ممثلة لكل الشعب..غالبا هي فئة بعض المترفين و المنعمين الذين يبحثون عن الكمال و الجمال و الترفيه..و ربما بعضهم يبحث بسبب الفراغ السياسي و الفكري و حالهم لا يمثل هذا فعليا.. نصيحة: لا تصدق محركات البحث بصورة كاملة..بل صدق ما تراه بنفسك..بل تعال و انظر معي إلى الشعب الكادح..الشعب الصامت..كيف كان..و كيف كان يرجو و يأمل..نعم إنك أحسن وصفا بالأرقام و الصور حين عرضت ما خلفته الحرب أو الأزمة..لكنها لم تكن أهداف و لا أحلام هذا الشعب يوما ما لا في 2011 و لا قبله على مر عقود.

هل يصمتون لعقود ثم يخوضون حربا كهذه بإرادتهم؟ بالطبع، لا ..أجبروا عليها أم اضطروا لها...المهم، أن الحال كما وصف جوجل بالشراكة مع المفوضية العليا لأرقام مخيفة و أوحوال لا تسطاع معها العيش دون تعاون و دون تبرع..

يصف جوجل الشعب أنه كان (سعيدا) يعيش في (سلام).

في الماضي القريب، كان السلام يعمّ سوريا
قبل نشوب (الأزمة) عام 2011، كانت سوريا دولة نابضة ب (الحياة)..

هذا التعريف (السلام و الحياة) يحتاج منا لمجلدات..لقد كان الشعب يرزح تحت حكم المعتقلات و ما تدمر من اببعيد...و يشهد علينا رفات ألاف القتلى في مجازر على مر عقود من حكم الأسد و ابنه..فأي حياة تلك و كل بيت له أب أو ابن أو جار اعتقل أو قتل..هذه ليست (حياة). و للأمانة حياة السوريين الآن في هذه المجاز ليست (حياة)..و أدعو الله أن يفرجها عنهم عاجلا.
أما السلام فتعريفه لن يتفق عليه أحد..فلا سوريا كانت في سلام داخلي لأنها لم تكن تشعر بالحياة..حتى مع رحيل الأسد الأب، و وعود الأسد الابن (بشار) المخادعة..كانت كحلم ليلة صيف..انتهت بنفس ما كان عليه أبوه..و ما (إعلان دمشق) منا ببعيد. و ما اعتقالات و تضيقات النظام إلا نوع من اللا سلام الداخلي الذي استمر لعشر سنوات ثم بدأت (ألثورة) و بدأ بشار الأسد التنكيل و افتعال الأزمة باعتقال الأطفال و قتل المتظاهرين السلميين لشهور ثم المجازر و براميل البارود. 
 و لنلق نظرة على العقد الأول من حكم بشار الأسد لنعرف من منظمة هيومان رايتس واتش..كيف كان السوريون يعيشون بدون أي  (سلام) أو (حياة).

سوريا 2008
خرجت سوريا من عزلتها الدولية في عام 2008 ، ولكن سجلها في مجال حقوق الإنسان ما زال سيئا جدا. اعتقلت السلطات السياسيين والناشطين في مجال حقوق الإنسان، وفرضت رقابة على المواقع الإلكترونية، واعتقلت المدونين، وفرضت حظر السفر. ولا يزال قانون الطوارئ ، الذي تم فرضه في عام 1963 ساري المفعول، وتواصل الأجهزة الأمنية السورية المتعددة احتجاز الأشخاص دون أوامر اعتقال.

حالة حقوق الإنسان في سوريا خلال السنوات العشر الأولى من حكم بشار الأسد _ HRW





UNHCR


لهذا فقد انتهى العرض الجيد لأحوال اللاجئين بهذا السؤال: كيف يمكنني مساعدة اللاجئين السوريين؟
و هذه هي الإجابة: إليك 3 خطوات لإحداث فرق الآن  (انضم) (تبرع) (شارك)

https://donate.unhcr.org/int-en/searching-syria/

البحث عن سوريا  https://searchingforsyria.org/ar/what-was-syria-like-before-the-war

بعض المراجع و البيانات:

(الحسكة).. وجهة نظر كردية: من الفقر المدقع.... إلى زمن الإغاثة!




محافظة الحسكة... المحافظة الغنية المنسية، بجميع مدنها ظلمت في عهد نظام الأسد، الذي أفقرها إلى حد الجوع ، وأذلّ أهلها بجميع مكوناتهم وأعراقهم وطوائفهم، وعملت مخابراته على التفريق بينهم. وقد كان للمكون الكردي النصيب الأكبر من الاضطهاد والظلم من خلال تطبيق القوانين الاستثنائية بحقهم، ناهيك عدم الاعتراف بوجودهم كقومية ثانية في البلاد؛ من خلال تجريد حوالي 400 الف نسمة من الجنسية السورية، وحرمانهم من حق العمل والتمّلك، وأحيانا الدراسة والتعليم. 

عاشت (الحسكة) في عهد الأسدين الأب والابن، تحت سطوة الأجهزة الأمنية التي سرقتها، وقامت بالسطو على الأراضي الزراعية، وأمعنت في اغتصاب المنطقة من خلال سياسات زراعية واقتصادية ممنهجة بغرض إفقارها، و هي المحافظة التي كانت تسمى "سلة سورية الغذائية وخزان طاقتها" و كان يحلو للبعض أن يطلق عليها: "محافظة العطاء"، فأصبحت في عداد المدن المنكوبة على أثر الهجرات المتلاحقة لآهلها الذين هجروا مناطقهم، إلى جنوب درعا وريف دمشق وحلب بحثا عن لقمة العيش، ما عرف حينذاك ب "مخيمات البؤس او العشوائيات"، لذلك ثار أهلها عندما اندلعت شرارة الثورة ضد حكم بشار الأسد، وهبّوا لنصرة جميع المدن السورية، على الرغم أن أبناء الشعب الكردي هبوا بانتفاضتهم ضد ظلم النظام في عام 2004 ولكن أخمدت؛ فقامت المظاهرات السلمية في كل مدنها بشكل دائم، ولكنها ظلت محافظة آمنة من خلال سياسة النظام الممنهجة لتحييد بعض المناطق والمكوّنات، للعب على وتر حماية الأقليات، وكذلك كانت هناك توجه عند الجيش الحر لأنذاك بعدم دخول المحافظة و جعلها مناطق آمنة، وكذلك تشكلت قوات الحماية الكوردية لحماية المدن بعد انسحاب الاجهزة الامنية من أغلب المدن ما عدا مدينتي (القامشلي) و(الحسكة)، وأصبحت المنطقة إلى حد ما مناطق لاستقبال عشرات الآلاف من النازحين السوريين الفارين من الدمار والموت من مدن حمص وحماه وحلب وريف دمشق وديرالزور، حيث استقبل أهالي الجزيرة هذه الأعداد وعملوا على تأمين أوضاعهم، رغم ما يعانيه أهل المنطقة أصلا من عوز وفقر وأحوال معيشية قاسية


في تقرير لهيئة التخطيط الإقليمي يعتبر مؤشر الحرمان من فرص التنمية والتطور تركيباً لثلاثة مؤشرات تنموية أخذتها الحكومة من بيانات المكتب المركزي للإحصاء في عام 2009، لتعبر عن جوانب هامة من واقع مناطق وقرى محافظات سورية.

تعبر هذه البيانات التي سننشرها هنا عن واقع التنمية بأبعاد ثلاثة الفقر والبطالة والحرمان من التعليم، قبل الأزمة السورية. اختلفت المعطيات اليوم كثيراً، وتدهورت مناطق بأكملها لتخرج من كل إمكانيات التعليم والتشغيل، بينما الفقر فقد وسع خارطته إلى الحد الأقصى ليشمل بمستوياته جميع المناطق السورية، والغالبية العظمى من السوريين.
أهم ما تشير إليه البيانات أن المناطق السورية كافة تعاني من جانب من جوانب الحرمان، فحتى المناطق التي تصنفها الحكومة بمرتبة (أ) أي الأقل حرماناً والأعلى فرصاً، يرفعها جانب من جوانب التنمية، بينما تشهد جوانب أخرى انخفاضاً كبيراً. فإذا ما انخفضت البطالة، انخفض التعليم، والعكس بالعكس ما يشير إلى الخلل الذي يشمل المناطق كافة.. ويدل على فشل مشروع التنمية في سورية بأبعاده..

(الجزيرة السورية) في المرتبة الأولى ثم من..؟
لدى محافظتي الحسكة والرقة في الجزيرة السورية أعلى مؤشرات الحرمان وأكثر نسبة من المناطق المحرومة، أما دير الزور فتشهد معاملات فقر مرتفعة جداً كما في موحسن 0,86 مؤشر فجوة الفقر، ومؤشرات حرمان تعليم مرتفعة 0,56 في موحسن، 0,52 هجين، 0,49 في مركز منطقة البوكمال. لتكون الجزيرة السورية بمحافظاتها الثلاث هي المنطقة التي تتركز فيها أعلى معاملات الحرمان.. فمن يليها؟

• تعتبر محافظة حلب هي المحافظة الثالثة في نسب المناطق المحرومة من الإجمالي.
• 
تعتبر محافظة اللاذقية أكثر المحافظات التي تشهد ارتفاعاً في معامل الفقر بعد محافظات الجزيرة، على الرغم من نسب التعليم المرتفعة...

التقرير العالمي 2009_ سوريا _ Human Rights Watch


العقد الضائع


حالة حقوق الإنسان في سوريا خلال السنوات العشر الأولى من حكم بشار الأسد

حالة حقوق الإنسان في سوريا خلال السنوات العشر الأولى من حكم بشار الأسد _ HRW
ABC NEWS (2000-2011)

The rise of Syria's controversial president Bashar al-Assad


Upon his father's death in 2000, Assad -- who had risen to the rank of colonel in the Syrian army -- had already consolidated support in the military and the Baath political party, according to a 2015 BBC report, becoming the commander and secretary general of the two, respectively.
The Syrian Constitution was then amended to lower the minimum age to assume the presidency to 34, Assad’s age at the time.
In July 2000, Assad was voted to a seven-year term as president winning 97 percent support in an election in which he was the only candidate. Assad was elected to a second term in 2007 and a third term in 2014.
When he took office in 2000, he promised to be a reformer. But he soon began to crack down on those presenting opposition to his rule, including political opposition, journalists and human rightsactivists, according to Human Rights Watch.
The Syrian civil war, which is still ongoing, began with protests in March 2011 over the detainment of young boys who had painted anti-Assad and anti-government graffiti on their school walls, according to the Associated Press.
The protests in the months that followed, which called for greater reforms and President Assad to step down from power, became increasingly violent as there were reports of security forces opening fire. In December 2011, the U.N. had estimated that since March more than 4,000 people, including children, had been killed as a result of the military crackdown on protests.

http://abcnews.go.com/Politics/rise-syrias-controversial-president-bashar-al-assad/story?id=46649146

Syrian Reform: What Lies Beneath

by Farid N. Ghadry
Middle East Quarterly
Winter 2005, pp. 61-70

Tools of Dictatorship

First and foremost, foreign policymakers must recognize the nature of Syria's autocracy. Not every dictatorship is identical. In each country, rulers use different tools to ensure their absolute power. Identifying and removing these tools are keys to weakening despots and reducing the threats they pose to their own people and their neighbors.

The nature and strength of Syria's dictatorship have evolved over time. Beginning in late 1949, a series of military rulers, none lasting more than a few years, dominated Syria.

Monday, July 03, 2017

سربرينتشا.. الذكرى الثانية و العشرين

مسيرة سربرينتشا:

يبدأ صباح اليوم، الاثنين، المشاركون في مسيرة السلام السنوية اليوم التوجه نحو بلدة (قرية) بوتوكاري، حيث دفن ضحايا مجزرة سريبرينيتشا..ليصلون يوم 11 يوليه لحضور الجنازة الجماهيرية فى الذكرى الثانية والعشرين للمجزرة.
وتنظم المسيرة كل عام للتذكير بالمذبحة التى قتل فيها حوالى 8 الاف من البوسنيين ودفن اولئك الذين عثر على رفاتهم فى العام الماضى. وتقول وسائل الاعلام المحلية انه سيتم دفن حوالى 70 ضحية هذا العام.
و خلال رحلتهم سوف يمر المسيرون عبر عدد من المناطق الاخرى التى قتل فيها البوسنيون خلال حرب 1992 - 1995 من اجل تقديم التعبير عن احترامهم لهم.

"روحي تريد هذا، أريد أن أتقدم باحترامي للضحايا، والأشخاص الذين فقدوا أرواحهم في جميع أنحاء البوسنة والهرسك، لقد ا توفي زوجي وأشعر بالأمهات اللواتي فقدن أطفالهن، فأنا أم،" نقلت وكالة أنباء الأناضول عن رميزة سماجيتش التي انضمت إلى مسيرة سراييفو للمرة الخامسة.

وقال محمد بابيتش": "لقد سجل هذا العام 68 مشاركا، واصغرهم 17 عاما، و أكبرهم 65 عاما. لدينا مشتركون من كرواتيا وصربيا ومن جميع انحاء البوسنة والهرسك". ومن المتوقع أن يشارك أكثر من 5 الاف شخص فى مسيرة السلام السنوية من نيزوك يوم 8 يوليو المقبل. وقد نظمت المسيرة الأولى في عام 2005، بمناسبة الذكرى السنوية العاشرة لمذابح عام 1995، لإحياء ذكرى الآلاف الذين قتلوا على مسافة 100 كيلومتر سيرا على الأقدام إلى نيزوك هربا من سريبرينيتشا بعد سقوطها على قوات صرب البوسنة.

لا تنسوا هولندا المشاركة في الجريمة:

يأتي هذا أيضا بعد أيام من إدانة محكمة لقوات القاعدة الهولندية التابعة للأمم المتحدة و إعلان مسؤوليتها(جزئيا) عن المعركة:
كدت محكمة استئناف هولندية، الثلاثاء، أن هولندا مسؤولة جزئيًا عن مقتل نحو 300 مسلم طردوا من قاعدة هولندية تابعة للأمم المتحدة بعد أن اجتاحت قوات صرب البوسنة منطقة سربرنيتشا المحيطة بالقاعدة خلال الحرب الأهلية في يوغوسلافيا السابقة.

ويؤيد قرار محكمة الاستئناف في لاهاي قرارًا صدر عام 2014 بأن قوات حفظ السلام الهولندية كان بوسعها أن تدرك أن الرجال الذين لجأوا إلى القاعدة في قرية بوتوكاري سيتعرضون للقتل على يد قوات صرب البوسنة إذا أجبرتهم على الرحيل، وهو ما حدث بالفعل.

Wednesday, May 24, 2017

الرحيق المختوم..قراءة في رمضان

وإن من سعادتي وحسن حظي أن أقدم بحثًا أسهم به في تلك المسابقة المباركة، ولكن أين أنا حتى ألقي ضوءًا على حياة سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم‏.‏ وإنما أنا رجل يري لنفسه كل السعادة والفلاح أن يقتبس من نوره، حتى لا يتهالك في دياجير الظلمات، بل يحيا وهو من أمته، ويموت وهو من أمته، ويغفر الله له ذنوبه بشفاعته‏.‏

هكذا افتتح  الشيخ صفي الرحمن المباركفوري (رحمه الله) مقدمة بحثه الذي نال عنه الجائزة..و كانت مقدمة خير و أذنت بانتشار الكتاب  (الرحيق المختوم) بين المسلمين و ترجمته لعدة لغات..فجزاه الله عنا كل خير.

 الرحيق المختوم 

و سبق أن قرات الكتاب و راجعته..لكن هذا العام، رمضان سيكون مع كتاب الله (القرآن الكريم) و مع سيرة رسول الله (صلى الله عليه و سلم).
و تذكرته، حين استمعت بالصدفة من أيام، قصة الرسول الأعظم في (أحد)..و ذكرني بها الشيخ بطريقة سلسة و كانت بها معلومات قيمة..ثم تذكرت كيف تأثرت بها من سنوات حين قرأت (الرحيق المختوم) لأول مرة في نهاية شهر شعبان مستقبلة بها شهر رمضان الكريم..و كان تأثري أكثر من غزوة (بدر) و كأنني أعيش المحنة ..ثم تذكرت بكائي بين صفحات هذه السيرة العطرة..و عدت لحالنا و نحن نتناسى القرآن إلا مرة كل عام..نحرص على ختامه ربما أكثر من مرة ..و البعض - للأسف- يفعل هذا دون تدبر و بقراءة سريعة تتنافى مع قدسية كتاب الله...و البعض يمتثل لأوامر و سنة الرسول على مدى شهر (مضان) ثم يعود لسابق عهده في آخر ليلة من رمضان..و ما أن ينتهي الشهر الكريم حتى يعود الكثير إلى المعاصي أو على الأقل للبعد عن الطاعات التي التزموا بها في (رمضان)..متناسيين ما لاقاه الرسول الكريم و صحبه الكرام في يوم (أحد) ليتم الله الدين و نكون مسلمين. آن لهذه القلوب و تلك العقول أن تعود إلى الله بكل صدق..قولا و عملا..في رمضان و طوال العام..

الفكرة:  فلنبدأ معا في قراءة السيرة العطرة و التي تساعدنا أن نتدبر القرآن  و الأحكام و نتفهم الأحداث التي وردت فيه تفصيلا. و ليكن نصيب اليوم 15-20 صفحة من هذا الكتاب حسب الطبعة.  و لعل الأفيد أن ننشر الفكرة مع الأصدقاء..و الفائدة تتم بكتابة خاطرة أو ملخص كل يوم قدر المستطاع لما نقرأه..
ملحوظة: ربما تجدون صعوبة في التعريفات التي تشرح حال العرب و القبائل قبل الإسلام..فمن فهمها، فليلخصها و يشرحها لغيره..و من تعثر عليه فهمها تماما، فلينتقل لما يليها.

وفقكم الله..و لا تنسوني في صالح الدعاء

لتحميل الكتاب: 

Sunday, November 15, 2015

في ذكرى رحيل #زينب_مهدي

في ذكرى رحيل الناشطة زينب مهدي - رحمها لله-، نعيد نشر هذه القصة القصيرة عنها..بناءا على طلب الأصدقاء. و أدعوكم للدعاء لها بالمغفرة فهذا ما ينفعها الآن.

و قد أثنى على هذه القصة الأستاذ ياسر ثابت واصفا إياها كأن زينب تتحدث عن نفسها و تمنى لو لم تمت، لتجد من يكتب عنها بهذا الصدق. كذلك الأستاذ عبدالكريم صاحب مدونة شمس العصاري وجد القصة من أروع ما كتب عن زينب حيث كتبت بإحساس عالي و إنسانية استحقت النشر. و كان ممن عمل معها قبل وفاتها بفترة.
تحديث سبتمبر 2023
#WorldSuicidePreventionDay #WorldSuicidePreventionDay2023 #SuicidePrevention
يسمح بالنشر مع ذكر المصدر 

قصاصات من أوراق الآنسة (زينب)
(أوراق مصرية منتحرة)
كتبت د/إيمان الطحاوي
و كيف تقوى قلبك على فتح ملف فتاة منتحرة؟ هكذا تحدثت لنفسي و أنا أغوص في هذا الشجن، قبل أن يقولها غيري سيقرؤون هذه الأوراق. لكنهم سيسمحون لأنفسهم بقراءتها بدافع إنساني كما سمحت لنفسي بالكتابة عنها بدافع إنساني. هذه ليست قصة فردية عن شخص بعينه، إنما مزيج بين الألم و الأمل عن جيل بأكمله.
دعونا نبدأ مع كلام زينب مهدي: حتى أيامي الأخيرة لم أكن أدرك أني على صلة قريبة بهذا الهاجس الذي نفر منه جميعا..الحقيقة الوحيدة التي نعرفها و نتجاهلها (الموت)...تعرفت إلى الموت عدة مرات، فلم تكن هذه هي المرة الأولى التي أواجهه..عرفته كثيرا، و كان كل فراق بمرارة مختلفة...لكني بالنهاية تعودت عليه مثلكم جميعا..و من منا لا يعرف الموت؟ في البدء، تعرفت عليه في موت بعض أقاربي (قد لا يهم اسمهم الآن..فأنتم لن تتذكروهم كما ستنسونني) في عقدي الأول...لكنه –الموت- صار ملازما لي في سنواتي الأخيرة حتى صار رفيقا على غير إذن مني..بدأت هذه الصداقة العجيبة مذ انطلقت الرصاصة الأولى في جسد أول متظاهر مصري في السويس في مطلع العام 2011...و حينها، كنت على بعد عشرات الكيلومترات من هذا الموت ثم على بعد لحظات من عربة الأمن التي تقتلنا في ميدان آخر لأنجو من هذا الموت. كل مرة يرافقني و يذيقني مرارة ثم يخبو لشهور و يعود ثانية..في البدء، كنت اتفاجأ به، لكنني تعلمت كيف أتوقعه..و في النهاية قررت أنا أن أداهمه و انتحرت..هذه قصتي باختصار مع الحياة أو مع الموت..مع حياتكم و مع موتي المفاجيء لكم..أو هكذا تجملتم حين سمعتم خبر رحيلي (المفاجيء)!. 

(زينب): كان وقع حياني يتبدل بوتيرة كالنار التي تشوي سمكة تتلظى..هكذا كنت أشعر في السنوات الأخيرة..تشبيه مضحك، أليس كذلك؟ هل تخيلتم انفسكم تتقلبون على نار و أنتم أحياء تتوقون إلى الحياة و أنتم تعرفون أن الموت يحيط بكم على بعد دقائق؟ هل ستفكرون في الاستسلام كالسمكة في لحظاتها الأخيرة؟ هكذا فعلت أنا...حتى في أقصى لحظات تفاؤلي بحياة وردية عادلة، كنتنت أتلقى الصدمات التي تقلب الموازين مرة بعد أخرى و انخدع بكل رمز للعدل و للنظام و للتضحية..حتى تيقنت أو هكذا اعتقدت أنه لا حياة فاضلة على هذه الدنيا و أنها أنسب لي هناك في حياة أخرى و لا سبيل لها إلا عبر الموت...فاستسلمت كسمكة على نار شواء..هذا كل ما حدث.
قالوا ضعيفة..و قالوا يائسة من الحياة. لا أعلم، لكن ما أعرفه فقط أنني كنت متفائلة و صادقة مع غيري..ثم فوجئت بالظلم، و بالكذب. لم أحب أن أرى نفسي ضحية لظالم فقاومت مرات و طرقت عدة أبواب، حتى فشلت (استنفذت). ألهذا قالوا ضعيفة؟ كنت أساعد غيري رغم أني الاكثر احتياجا لمساعدة من تخلوا عني، لم أتحمل، بحثت بمفردي عن عمل لأرضي ذاتي و أساعد في تنشئة جيل من النساء القادرات على صنع مجتمع قوي و فاضل. راسلت و بعثت سيرتي الذاتية قبل الرحيل بشهور..لم يستجب أحد، فكانت كورقة نعيي الأخيرة بيد كل من وصلت إليه و لم يفعل شيئا. ترى كم شخصا عرف أنني في ضائقة، و حاول مساعدتي بكرامة؟ ربما تعرفون عددهم الآن و تعرفون من يجلدون أنفسهم متمنيين ما لن يحدث، أن تعود عقارب الساعة للوراء! حملت الكثير وحدي و كان هذا فوق طاقتي، تخيلت انني بالمشاركة في نشاطات خيرية سأساعد في تغيير للأفضل، و سأمر بنجاح تلو نجاح. لكنني صدمت بفشل تلو آخر و كأنني ( دون كيشوت) جديد..لكنه جاء بعد الخامس و العشرين من يناير. كنت (دون كيشوت) الضعيف أحارب غولا اسمه القضاء حيث يتحكم في مصير الأبرياء قاض ظالم كأنه نصف إله. كنت –بما أملك- ضعيفة بالنسبة له طبعا..و كنا جميعا نحارب الطواحين، كل بطريقته، نحاول جميعا عبثا مرة تلو الأخرى..لكنني انفردت بأخذ نصيبي الأكبر من المحاولات و الفشل في وقت قصير.. لهذا استهلكت أسرع منكم؟ و كنت وحدي على أرض غير ثابتة، اتنقل مرغمة بين النقضاء..ديني و ليبرالي، باحثة عن المعرفة و عن الحقيقة، فما هداني أحد. قرأت كثيرا و تعرفت على منابع جديدة كنت أجهلها لسنوات..كانت كلماتي و صوري عبر وسائل التواصل تشي لهم بهذه التنقلات، فوصموني بالكفر و فروا مني إلا من رحم ربي. . تذكروني حين احتاجوا خدمة في حديث عابر بينهم و لولاه لما تذكروني..كثر خيرهم..هل كل هذه المحاولات و تقولون ضعيفة؟ إن سلمت بضعفي بعد كل هذا، فسأقول: "نعم ضعيفة، لكنكم لستم أقوياء".

لحظات قبل الانتحار....قد تكون هذه اللحظات هي أقوى ما مررت به في حياتي، حين قررت الرحيل، و حين قاومت الموت..هناك ما يدفعني لان أسرع في مغادرة الحياة بأقل من ساعة..هاجس الموت يناديني من أيام، آه لو كنت مت دون انتحار، هل كانوا سيتذكرونني؟ لم تكن هذه هي المرة الأولى التي أحاول فيها الانتحار و كنت جادة في عزمي هذه المرة...كنت أفكر في أمي حين تعود و ترتاع لهذا المشهد..سامحيني...و حين كنت أقاوم هذه الرغبة، شعرت بشيء يعتصرني كيد تلتف حول عنقي، كضربة في قلبي الذي يحمل كل ثقلي ثم صارت كل سنواتي أمام عيني و أنا اتألم و أحاول....لكنها الحياة التي نحن إليها أبحث في شريط حياتي عن شيء حلو يريحني، ثم تتسارع الصور فأرى مراراة السنة الماضية و لا أذكر إلا غايتي الأخيرة الآن وهي أن ألف هذا الحبل حول عنقي.....، ثم عادت أمي و رأتني ميتة.. أو هكذا جاء في تحقيق النيابة و قصاصات صفحات الأخبار.
بالنهاية، انتهت (زينب) كجثة تحت تصرف النيابة حتى يأذن الطبيب الشرعي، ليمهر قصاصة ورق بكلمة (انتحار) قبل أن ينتقل اسمها إلى آخر قصاصة (تصريح الدفن)..و لينتقل الجسد إلى مدافن العائلة، و الروح إلى خالقها..

الآن، يسير وراء كفني العشرات من الأوفياء، في نفس الوقت الذي يكتب الالاف عني عبر الانترنت..و يظل هناك مئات ممن عرفوني و لم يودعوني الوداع الأخير لا في جنازتي و لا عند قبري. شكرا لهم جميعا على أية حال.

(زينب): أنا ربيبة "الجماعة"، تبعتها في سن الزهور بحثا عن المدينة الفاضلة بإرادتي..و تركتها و أنا أتوسم في غيرها الفضل بإرادتي. لم أجد فيها طريقا لإرضاء طموحي كما يريد عقلي (أنا). أحببت الزهروات و أنا أحفظهن في المساجد، ثم أردت أن أكبر معهن بعقلنا، و هذا ليس من حق الصغار و لا من حق النساء في " الجماعة"... حاولت الوصول لهم بأفكاري لنتغير معا، لكنهم اعتبروني مقلقة و هذا القلق لا يتسق مع نهج الجماعة الثابت لعشرات السنين..اخترت أن أدعم من خرج عن هذا النهج قليلا ليترشح للرئاسة، فكان جزاؤنا الفصل لأننا استخدمنا حقنا في التفكير خارج صفهم،.. يعتبروني كائنا ينفذ ما يملى عليه و لا يهتمون بافكاري لأنني لن أؤثر في المجتمع و كأنني موطنة من الدرجة الثانية. يكيلون بمكيالين حين يتعامولن مع المراة و الرجل. و حين يتعامملون مع من يطيع دون تفكير و من يناقش قبل أن ينفذ الأوامر. إنني أحب أن أشير لها باختصار غير راغبة حتى في أي اسم أو ضمير مجهول يختصرعلاقتي بهم و التي استمرت لسنوات ثم انهارت في شهور.

تركوها و كأنهم موكولون بابنائهم الذي يوالونهم فقط. أما من يخرج عن طريقهمم، فهم منه براء يفرون منه؛ لأنه في نظرهم خبث فكيف يترحمون عليه أو يبكونه؟. بعض زملائها القدامى حذفوا ما استشهدوا به من كلماتها عن (رابعة) و عن ظلم العسكر بعد الانقلاب و عن حزنها على أحد شهداء الجماعة ممن تعرفه و شاركها فعل الخير حين توعدت بأخذ حقه ممن قام بتصفيته.. لكن القصاصات التي سجلها السيد "جوجل" كانت تشهد لها و ستشهد عليهم أمام الله يوم الحساب). فلنحرق هذه القصاصات عن العلاقة الشائكة مع "الجماعة" إذن، فالآنسة (زينب) لا تحب الإشارة إلى "الماضي".

لست وحيدة، فأصدقائي من الإسلاميين و الليبراليين و من نشطاء فعل الخير كثر...كانوا كثيرا، فما نفعني أحد..ألم يكن أفضل لي و يكفيني صديقة أو اثنتين؟ لم يصدقوني القول حين ترددت و تساءلت، هذا في وقت الضيق..هربوا مني واحدا بعد الآخر إلا القليل..لهذا قررت أن أهرب أنا من عالمهم و من إعلامهم الإلكتروني الزائف..ثم تمر الأيام، فأعود لأدخل عالم (فيسبوك) الكبير. أراه مليئا بالصراعات و التخوينات بينما القتلى يتساقطون و المعتقلون يتزايدون كل يوم..كلهم يتصارعون فلِمَ علي أن أنحاز لأحدهم؟ أنا أخص ذاتي التي لم أجدها في أي منهم. الأصدقاء الجدد الليبراليون اجتذبوني و سعدت بصحبتهم و حياتهم، ثم تركوني حين قلت لا للظلم ضد الأخوان...يستوون في نظري مع الأخوانيات اللائي تركوني و اعتبروني كافرة لما خلعت الحجاب و كتبت عن عدم اقتناعي بما عرفته و درسته لسنوات. الصداقة او الأخوة بالنسبة لكليهما شكل ظاهري كالحلوى، تعجبهم و تجذبهم كالذباب ثم يتركونها ليبحثوا عن غيرها. أنا قطعة حلوى اسمي (زينب) و في بعض الساعات (زعببة) ولا أحد يملكني. ثم صرت قطعة حلوى ضاعت ويبكون عليها. حتى الأخوة الأشقاء صاروا يتعاملون مع بعضهم في هذا الزمن بهذه النفعية المتبادلة. كل شاب أو شابة له حياته المنفصلة ماديا و اجتماعيا غير مكترث ببقية أخوتهم و والديهم حتى لو جمعهم سقف بيت واحد. و يتذكرون أخوتهم حين يفقدون أحدهم ثم لا يلبثون أن يعودوا إلى عالمهم و هكذا هي الحياة.

أما عن أسرتي، فأنا لا أملك الحق في الحديث عنها الآن..يكفيهم حزنهم على رحيلي بهذه الطريقة، تركت لهم رسالة مفادها (سامحوني، هتوحشوني).
تعرف زينب نفسها: (( مصريه .. انتمى للتيار الاسلامي الوسطي .. عضو مؤسس بحزب التيار المصري .. بدعم بشده دكتور عبد المنعم أبو الفتوح مرشح لرئاسة الجمهوريه .. فكر د/ أبو الفتوح يشغل جزء كبير من فكري .. أميل إلي اليسار ..أؤمن بحرية الفكر والعقيدة .. الفكر يناطح بالفكر .. ضد المجلس العسكري .. يسقط يسقط حكم العسكر .. احنا الشعب الخط الاحمر ))

ملف المعتقلات: لم انسحب كما قالوا، بل كانت أنات المظلومين و المعتقلين تناديني، و كنت أحاول أن أفعل لهم شيئا، فاخترت أضعفهم، الفتيات المعتقلات المنسيات، عملت على ملفهن. فتحت لزملاء جدد و قدامى طريقا إلى العمل الجاد لنساعدهم..ثم تركتهم بعد فترة، لماذا انسحبت؟ لأنني وجدت أن ما نفعله كأنه (تحصيل حاصل)، شعرت و كأنه محاولة لإرضاء الضمير، و أحيانا لإرضاء الأنا.. كنا نعرف جيدا أن التوثيق و النشر مآله إلى لا شيء في هذا العالم المنافق.. كل هذا كالنقش على الماء، كحملان ضئيلة يأكلها غول القضاء الظالم.. معلومة هنا و صورة من هنا و ملف (إكسيل)...، و هكذا اكتمل ملف المعتقلات..ثم ماذا؟ أهذا كل ما استطعت تقديمه؟ كان مجهدا و متعبا و مع هذا تتساءل ذاتي قبل أن تجلدني كل يوم: أي نتيجة أو تغيير حدث بعد أن جمعتوا هذه الأوراق؟ لا شيء..هل أنت راض يا ضميري الآن؟ لا... ثم بعدُ، أتسمون هذا انسحابا؟ لقد اخترتها بإرادتي و أنا أعلم الكثيرعن هذا العمل المليء بالأسى، و لم أكن أعلم أن الإحباط سيقودني إلى كل هذا الحزن و تلك النهاية. لم تكن مجرد أسماء و معلومات و أرقام تتراص أفقيا و رأسيا لتكون ملفا، لكنها كانت صورا انفخ فيها فأشاهدها تتحرك أمام عيني و أنا اكتب عنها جملة أو اعرف عنها معلومة جديدة. تقول المعلومة إن هناك فتاة عمرها 18 عاما احتجزت..ابدأ في رؤيتها و محادثتها من وراء عقلي الباطن فأجدها بين أربعة جدران وسط نساء اقترفن آثاما ربما لا تعرف عنها شيئا، لا يضايقها احتجازها بقدر ما يؤلمها مساواتها بمذنبة تتندر عليها و قاتلة تضايقها لتتخذها سخريا تتسلى بها مع بقية نساء العنبر أو الحجز كل ليلة..أشعر بقوتها و ضعفها و هي تحاول أن تدفعهم عن جسدها حين يعتدين عليها بسبب مشاحنة نسوية عادية. و مرات اخرى، أشعر برغبتها في إصلاح سلوكهن بالحسنى حينا و بالزجر حينا. أدرك كيف منعوا عنهن الملابس الثقيلة والأغطية في برد الشتاء لإذلالهن بينما أتدثر في حجرتي بالأغطية. أزيحها عني، فلا أتحمل هذا البرد و أعود لها معتذرة لصديقتي في ملف المعتقلات لأنني لم أتحمل كل هذا البرد في حجرتي و أنا حرة. اتأمل في ملف معتقلة أخرى، فأجدها تمثلت أمامي روحا معذبة تعاني فراق ابنائها و قلقها عليهم كل ساعة من ساعات احتجازها لشهور. كانت تحلم بالخروج لأجلهم فقط، كل ساعة..و الساعات تتكاثر و لم يعد لها حسبان و ليس هناك مخرج لإخلاء سبيلها حتى يأتي يوم تظنه الفرج، فتأخذ حكمها القضائي بسنوات طوال، و حينها يتحول ملفها من معتقلة إلى سجينة لتقضي حكمها ساعة بساعة و لا تزال تنتظر حلا لا أعلمه و لا أملك أن أساعدها بشيء آخر، إلا أن انكمش أكثر في حجرتي و أنا أراها تتعذب مع بقية المعتقلات في الملف..تخيلت حيوات الشهيدات منذ الثالث من يوليو و كيف انتهت بطلقة غدر من قالت لا يبالي كروح أزهقها برصاصه...حينها شعرت بالانكسار و كأن خنجرا يقتلني معهن..قصاصات هنا و هناك كانت عذابا لي و أدعوكم لتشاركوهم حزنهم و عذابهم بعد مماتي. هذا أقل ما نستطيع نحن العاجزون عن المساعدة..أيقنت أن كل كل هذا الجهد يتساقط أمام كلمة قاض قرر حبس فتيات لسنوات و نائب تغافل عن انتهاكات بحقهن...
لكن سقوطها من علٍ لم يأت إلا بعد وعود بتحقيق العدالة للمعتقلات و غيرهن عبر محاكمات دولية و حلول غير عادية..حيث لا أحد في هذا العالم الكبير يهتم بنسوة محتجزات في حجرة باردة مظلمة في دولة اسمها مصر. وما أسقط (زينب) أنها رأت بعضهم يرى حبسهن وقودا يجب ألا ينطفيء لشد انتباه المجتمع المصري و الدولي لما يحدث في مصر..نفعت مرة مع بعض المعتقلات، و آفة حارتنا النسيان مع بقية المعتقلات..لا أحد سيبكي عليهن مثلما بكت و لا أحد سيتقدم بخطوة جادة لأخذ حقوقهن من هذا العالم أو المجتمع الدولي. اعتقدت أن هذه الأبواب التي تطرقها مع رفاقها لن تفتح لهم لينقذوا الفتيات أو أي معتقل في سجون مصر ظلما، و إن استمروا في الطرق لسنوات و إن ارتفع صوتهم لأعلى الدرجات..إنهم يرضون ضميرهم الداخلي..لهذا قررتْ التوقف عن هذا الصراخ و الطرقبدون فائدة. اكتفت بما قدمت في هذا الطريق، و سلكت طريقا آخر ظنته الأوقع. و تركت هذه القصاصات جانبا.لم تفكر (زينب) في ردة فعل أحد تجاه انتحارها..فالكثير أنكرعليها و لو صمتا هذا الإثم..و معظم بنات الإخوان لم يرثينها بكلمة رغم أنها عملت ما بوسعها في متابعة ملفهن. هل كنّ يستحققن جهدها أو رحيلها؟ إنها لم تكن تعمل لهن، بل عملت لأجل ضميرها و هذا مكسب لا يقدره بشر. لم تدرك أن للإنسان الحق في مساعدة غيره لكن ليس للحد الذي يقتل نفسه كمدا و غيره لا يبالي به. و إلا لتحولنا إلى سيزيف جديد.

(زينب): أي درجات من الألم النفسي شعرت به، و أي بارقة أمل لاحت لك في فكرة الموت؛ لتتخلصي من كل هذه الآلام؟ أي ذنب يستحق هذا الانتحار؟ هل أردت أن تكملي حلقة الظلم حول نفسك، فنحرت روحك المعذبة؟ أهكذا تتخلصين من الظلم بظلم آخر (الانتحار)؟ هل روحك (الأمانة التي استودعها إياها ربك) تستحق هذا؟ أنت تعلمين أنك لا تملكين روحك التي وهبها ربك لك...ها أنذا اقترب من المحظور الذي حددته لنفسي في هذه الكتابة.. ربما تجيبني (زينب) و تقول: أعلم، لكنني رغبت في أن أشعرهم بألمي.. لهذا جلعت روحي رسالة لهم؛ ليفيقوا من نفاقهم.. و هل أفاقوا الآن بعد انتحارك؟ أمن أجل رسالة (قد لا تصل) لآذان أغلقت و قلوب قست تقتلين نفسك و تغضبين ربك؟ هل سأضايقك لو قلت لك: إن الرسالة وصلت لكن القليل تغير؟ لقد ركزوا في ماهية حساب الله لك على انتحارك من حيث أنت كافرة أم مسلمة؟ و على أفضل حال ركزوا في أنك مسلمة لكنك مخلدة في جهنم و لهذا لن يحضروا جنازتك..ربما يكون رأيهم صحيحا..لكنهم لم يتطرقوا أبدا لدورهم في هذه المنظومة الظالمة..و لم يتغير محرض أو صامت على الظلم بموتك..مسكينة...
كانوا جميعا و كنت واحدا..و لهذا لم يعد لي جدوى من البقاء في هذا العالم، فليكملوه جميعا بطريقتهم و نفاقهم. لم يعد لحياتي أي هدف لأحيا.
(زينب): إن وحدتك كانت بداية الطريق لوفاتك..قتل الله كل من قادك، و أرغمك عليها.
عزيزتي...لن أضعك في صف القديسين، لمجرد أنهم ظلموك و قادوك إلى الموت البطيء و العزلة ثم الانتحار. لن أمجد فعلتك (الانتحار)..لن أقول أنك شجاعة بهذا اليأس.. لن اتمادى في الدفاع عنك لكنني قلت أن خطأك لن اذكره كثيرا أو على الأقل لن أبرره..خطأك هو ضعفك و يأسك..و هذا أمر يحاسبك عليه الله. إنك كغيرك من الفتيات في عمر الزهور تبحثين عن حياة كريمة بكل عزة نفس..تساعدين غيرك و تأثيرن على نفسك رغم أحوالك المتعثرة. أتكون لحظة الضعف و التفكير بالانتحار هي لحظة مارقة في عمرك جاءت بلا مقدمات؟ فالكثير يمر بما تمرين به...لكنهم لم ينتحروا (فعليا)..بعضهم انتحر بأن انطوى و نسى طموحاته، و بعضهم جارى الواقع الزائف مبدلا قناعاته...و كثير منهم ينتظر مآله غير راغب في الموت و خائف منه و من الإقدام عليه..لا يملك القدرة على الاقتراب من الانتحار و في اللحظة نفسها لا يملك القدرة على أي تغيير في حياته البائسة.. أكل هؤلاء أقوى منك أيتها اليائسة الضعيفة؟ ألم يكن الأفضل لك أن تستمري في هذا الحياة المريرة حتى يحين الوقت لتتغير بعد عام أو عشر أولا تتغير على الإطلاق؟ هل فقدت إيمانك بالبعث و الحياة الأخرى عوضا عن أحزان الحياة الدنيا؟ أكان يجب عليك أن تحاولي مرة بعد أخرى وسط هذا العفن السياسي و الظلم السياسي بدون أية أسلحة تمتلكينها؟ ألم يكن هناك أمل في تغيير قادم؟ أليست هذه سنة الحياة المتبدلة؟ أليست هذه ابتلاءات و امتحانات يمر بها جميعنا؟ أعلم أنك تساءلت هكذا لشهور و لم تجدي الإجابات، بل وجدتي الإنكار و التكفير أحيانا لمجرد أنك أخذت في التفكير..
(زينب): هل تذكرين الأطفال الافتراضيين الذين كنت تلعبين لهم بعرائسك البسيطة الجميلة لتحكي لهم قصتك مع السمنة؟ هل كنت تمرحين مع (زينب) الطفلة أياما قبل الممات؟ أريد أن أقول: إنهم يشتاقون إليك الآن يا (زينب).
كذلك، الجثث التي بكتها (زينب) في (رابعة) شاهدة على نقائها. شاهدة على نقاء ضميرها الذي ينتمي للانسانية دون أية إملاءات أو تحزبات. و هذا هو التناقض الذي شكل حياة (زينب) بين فتاة تريد أن تفعل شيئا دون قيود أو أطماع و بين ساسة يريدون كل شيء أيا كانت الوسيلة. كنت تشاهدين الدبابات تسير نحو الاف من البشر في الميادين لتقتلهم فصرخت..لا لم نخرج لأجل القتل..لم نخرج لأجل الظلم...صدمك ساعتها أن الكثير من أصدقائك الجدد خرجوا لأجل هذا و كانوا يعرفون جيدا ما سيحدث..أصدقاؤك الجدد، كثير منهم، صمتوا على المذبحة..و لم تعودي صديقة لهم لأنك كنت أنقى من هذه الفعلة الدنيئة. كنت حينها قوية، كنت أقوى من الموت فخرجتي تواجهينه في ميدان (رابعة) حين اقترب موعد الفض..تنتظرينه يوما و يوما و يوما، ثم تجلسين و سط الجثث التي سبقتك إلى الحياة الأخرى تبكين وحدك يوم المجزرة. (رابعة) كانت صدمة جديدة لك، أيتها الصغيرة و لغيرك من الملايين، في مصر، وفي كل مكان...(رابعة) كانت مظلمة جديدة لك... (رابعة) فوقتك يا (زينب) و رجعتي تكتبي عن ظلم العسكر ثاني..زي ما كتبتي أيام (محمد محمود)..مش مهم عندك مين المظلوم المهم عندك تقفي معاه و تقولي للظالم كفاية انت مش هترتاح الا لما تخربها و تموتنا كلنا. قلتيها يا (زينب) و غيرك قالها فكانت نهايته قبلك (برصاصة) و لسه هتكون نهايات كثير بعدك (برصاصات) الغدر. طول ما الاصدقاء القدامى و الجدد ضد بعض و ساكتين على الظلم لمجرد انه مش طايلهم. و هيموت كثير غيرك بالانتحار كل يوم من اللي شافوه في الدنيا.

إن انتحار(زينب) لهو مثال من انتحارات أخرى لم نكتب عنها: هناك مليون حالة انتحار سنويا...لكني اكتب عن عوامل انتحار كان يجب أن تتغير قبل انتحار (زينب) و غيرها من المصريين و أمثالهم من المعذبين المظلومين الظالمين لأنفسهم لأمنع هذا الانتحار. لم تكن (زينب) وحدها هي المقصودة في كل هذه القصاصات..هناك المنتحرون في صمت، و المنتحرون في تكتم..هؤلاء رغبوا في الموت بدون ضجة و ربما لم يكن يشغلهم ما سيحدث موتهم من تغييرات أو تأثيرات على المحيطين..هؤلاء أرادوا الموت دون رسائل، فجأة دون ضجيج....لكن هناك من ينتحر تاركا رسالة مكتوبة أو جاعلا وفاته رسالة للمحيطين..وعلى الرغم من هذا لم يلق أية احترام أو ذكر لسبب وفاته و قيدت حادثة انتحاره (وفاة طبيعية) لأسباب اجتماعية..إن فعلة المنتحر البائس الذي لم يعد إلا ذكرا، صارت سبة في جبين العائلة يجب التخلص من ذكرها و من سيرته، رغم أنه أراد فقط أن يتخلص من حياته بسبب ضائقة أو ظلم تعرض له..إنه إجهاز على رغبة المنتحر الأخيرة في ذكر سبب انتحاره و نشر رسالته بالتكتم عليها بجملة (وفاة طبيعية). للمنتحر حق علينا فلا تضيعوه مرتين، كما ضاع مرة في حياته...
للمنتحر حقوق علينا، فهو ميتنا الضعيف الذي رحل..من الجانب الديني ربما يستحق ذكر محاسنه و الدعاء له و التصدق عليه..و من الجانب العقلي الأخلاقي، يجب أن يعترف كل من أذنب في حقه و قاده إلى طريق الموت بذنبه..لا تجلدوا أنفسكم، لكن اعترفوا فيما بينكم بالخطأ و صوبوه في العلن..لا تكابروا. ولا تجعلوا ميتكم نسيا منسيا. فقط تغيروا للأفضل.
هناك من ينتحر لأنه غير محصن عقليا لتحمل المصائب. و هناك من ينتحر لأنه عقليا تحمل الكثير من المصائب. (زينب) كانت من النوع الثاني للأسف. و التعامل معه أصعب. النوع الأول يحتاج إلى التوعية و بناء العقول جيدا حيث ينتشر بين المراهقين و ضيقي الأفق. النوع الثاني يحتاج إلى القوة الذاتية والصحبة القوية المساندة له.. سأقول له باختصار: كن قويا..كن واقعيا..كن صبورا و مثابرا..غير أحلامك أو طوعها..كن مؤمنا..إن الصبر له ثواب حتى لو تأخر أو لم يتحقق الحلم..لكن الانتحار إثم و بالانتحار لن يتحقق الحلم.
لماذا لا يقوم المنتحر بنحر من ظلمه و فضحه بدلا من الانطواء و البكاء ثم الانتحار؟ لماذا؟ فليكن رد فعلك مغايرا لما يتكرر، فالانتحار ليس (موضة) نقلدها..إنه غباء، ضعف، فشل، إثم...هذه هي الحقيقة، فكن قويا.المظلومون الفقراء لا يملكون إلا نحر أنفسهم؟ كانت هذه الآفة تنتشر في مطلع العام 2011 بعد حرق بوعزيزي المسكين نفسه. لا تكرروها. ألهذا الحد استطاع بعض صغار الظالمين التحكم في الفقراء العاملين و في قوتهم للحد الذي يجعلهم ينتحرون؟ إنهم ليسوا بأحسن منهم حالا و ربما يقاسون نفس الظلم الاجتماعي و الاقتصادي.. فلماذا يطغى الناس بعضهم على بعض على الرغم أنهم أنفسهم يعانون نفس الظلم؟ لماذا يوجهون ظلمهم لغيرهم؟ و لماذا يلجأ المطحونون ممن هم في أقل درجات السلم الاقتصادي و الاجتماعي (المهمشون) إلى الانتحار بعد فشل كل محاولات حياة الكفاف؟ لماذا لا يثورون؟ لماذا لا ينحرون الظالم الأكبر؟
رسالة إلى كل منتحر: لماذا تكتب للظالم الأكبر رسالة تحمله مسؤولية ظلمكه بظلمه ثم تنتحر؟ هل تشكره على الظلم أيها الأحمق؟!
و كلمة إلى كل ظالم: (إن العدل واجب لكل أحد على كل أحد في كل حال. و الظلم محرم مطلقا لا يباح بحال. ابن تيميه).

لو كتبت لك حياة أخرى جديدة: ماذا كنت ستفعلين و ماذا كان علينا أن نفعل؟ لقد تقطعت بك السبل لأي عمل إلا ما قدمت من عمل بين يديك يسبقك في آخرتك، خيرا كان أم شرا..أما نحن فما زال أمامنا الطريق؛ لنمحو الشر الذي اقترفته أيدينا و لنكتسب خيرات جديدة استعدادا لهذا اليوم. فمن يتعظ؟
ما لم تكتبه (زينب)..رسالة لنا: كان هناك أمل تجسد لي في (جماعة)، ثم تجسد لي في (شخص)، و في( ثورة)..و مع كل صدمة عرفت أنه لا أمل بانخداعي في كل هؤلاء.. ربما أنا التي وضعتهم في درجات أعلى مما يستحقون، أنا المخطئة إذن؟ حتى ثورتنا كانت انتفاضة على الورق، بلون أحمر كدم الشهداء. نهتف و نشارك في كل فاعلية بدون تغيير..بينما أرض الواقع تتغير بأيادي أقوى منا و من دم الشهداء. تتغير بلعبة قوية اسمها (السياسة)لا نحسنها...حاولنا أن نحمي أصواتنا الانتخابية فداسوها و داسوا أصدقائي معها بالدبابات..نحن جيل لا يقوى إلا على التضحية و الموت في سبيل أوطاننا. و هذا كل ما نملك..لا نملك أي قدرة على جيش يقتل و لا ساسة يتبادلون الأدوار و لا على قضاء يلهو بأعمار البشر.
(زينب): لو كتب لي حياة أخرى، لم أكن لأسير وراء أي خديعة أو أمل كاذب يحطمني، على أفضل الأحوال، ربما كنت سانزوي حتى أموت فتكون هذه وسيلة أسهل للانسحاب. لا أعلم، اكتبوا أنتم لي حياة جديدة في ذاتكم..عيشوا ما تبقى لي من العمر و افعلوا ما لم استطع فعله. اصنعوا عالما من العمل التطوعي الجاد دون مطمع من ورائه، عالم من العمل النبيل دون حسابات أو تحزبات. اصنعوا تغييرا لأجل المهمشين من الشباب دون أن تمسوا كرامتهم بعيدا عن عالم السياسة. افعلوا ما شئتم مما لم أحققه في حياتي، لكن اذكروني بخير.
علموا أنفسكم و اقرءوا و إن شططتم في التساءولات فكونوا أقوياء في الرد على كل متشكك و كل متسائل و لا تتهربوا و تنعتوه بالكفر. فليس كل من سأل مُنْكِر، و ليس كل من سكت مُصَدِّق. و الأقوى هو صاحب الحجة بالعقل التي تقنع غيره. لا تتعجلوا رجم غيركم فلا تعلمون ماذا يخبإ لكم القدر غدا.

تمت.
 مصر- 27 ديسمبر 2014 

Sunday, September 27, 2015

ماذا يمكن للبحث العلمي أن يفيدنا به عن "التدافع" البشري؟ بقلم راشيل فيلتمان - ترجمة أ/حمزة المزيني (4)

 ماذا يمكن للبحث العلمي أن يفيدنا به عن "التدافع" البشري؟
بقلم راشيل فيلتمان
The Washington Post
 By Rachel Feltman 
September 24 at 1:59 PM



ترك حادثُ تدافعٍ وقع يوم الخميس في [منى] وفاة أكثر من 700 شخص، ومئات من الجرحى، ولا تزال أعداد المتوفين تتزايد. وليس التدافع الذي حدث خلال ما يمثل قمة فترة الحج السنوي إلا الحادث الأخير في سلسة مألوفة من مثل هذه الحوادث ـــ وإن كانت [هذه الحادثة من] أكثرها في عدد المتوفين في الخمس والعشرين الماضية.
ومن الصعب أن نتخيل كيف يمكن أن يتحول جمع إلى أن يكون على هذه الدرجة من الحالات القاتلة ـــ خاصة إن كان القصد منه أن يكون جمعا سلميا. لكن هذه الظاهرة مألوفة جدا حتى إن [تكرار حدوثها] ليدعو إلى استشارة الخبراء بالتحكم في الحشود من أجل المناسبات الأعلى ازدحاما [تشير الكاتبة هنا إلى رابط لمقال في الصحيفة نفسها عن الاستعدادات لزيارة البابا إلى أمريكا ومنها التحوُّط من وقوع حالات تدافع في التجمعات التي سيشارك فيها].
ومع أن أكثر الباحثين يركزون على كيفية منع هذه الكوارث التي تسمى بالتدافع عن طريق الحيلولة دون حدوث ازدحام في أماكن التجمعات إلا أنه لم يُنجز إلا قدر قليل من البحث [العلمي] عن الكيفية التي يبدأ بها التدافع ــــــــــ أو السبب وراء بدايته.
يقول أحد الناجين من التدافع في [منى] إن الناس كانوا يتساقطون كما تتساقط "أحجار الضامنة" قبل أن يُداسوا ويختنقوا.
وكثيرا ما أدت أحداث التدافع القاتلة إلى تعكير أجواء المناسبات السياسية والاحتفالات الموسيقية والمباريات الرياضية والمناسبات الدينية في العالم أجمع.
فقد توفي مائة شخص تقريبا سنة 1989م في مدينة شيفيلد البريطانية، في واحدة من أسوأ الكوارث في تاريخ كرة القدم، حين دُفَع الحشد ليدخل إلى ملعب هيلزبورو لحضور إحدى المباريات.
وفي سنة 2005م لقي أكثر من 960 شخصا حتفهم نتيجة لتدافع على جسر [الأئمة] فوق نهر دجلة في بغداد حين انتشرت شائعات عن وشوك هجوم انتحاري بقنبلة مما تسبب في ذعر زوار أحد الأضرحة هناك. وكانت تلك الحادثة، وقتها، أعظمَ كارثة من حيث عدد المتوفين تقع في يوم واحد [في العراق] منذ الغزو الامريكية قبل سنتين.
وفي سنة 2010م خلَّف احتفال بإحدى الإجازات في العاصمة الكمبودية فنوم بنه 353 ضحية في الأقل نتيجة لدعسهم حتى الموت بعد أن بدأ جسر معلق في التحرك مما جعل آلاف المحتفِلين يحاولون الفرار.
وفي تلك السنة نفسها أظهر استقصاء لما كُتب [من تقارير] عن أحداث التدافع أنه على الرغم من الجهود التي تُبذل لمنع تلك الكوارث إلا أنها آخذة في التزايد. ومما لاحظه الباحثون أنه لا يعرف إلا القليل جدا عن المسببات الحقيقية لهذه الكوارث. كما لاحظوا أن أوائل المباشرين لتلك الحوادث يجعلون همهم الأول، وهو تركيز صحيح، العثورَ على الجرحى ومعالجتهم، لا تدوين ملحوظات تفصيلية عن التدافع نفسه.
ومما قاله أستاذ طب الطوارئ المشارك في جامعة جون هوبكنز الدكتور إيدبرت هسو، في تصريح نشر حين ذاك [سنة 2010]: "إنه يجب على منظمات الصحة العالمية أن تعترف بأن هذا نوع مهم من الكوارث. وإذا ما جعلوا من تقاليدهم أن يبعثوا أحدا بسرعة لكارثة من كوارث التدافع من أجل أن يرى ما حدث فربما نحصل على تقارير تفصيلية يمكن أن نستخدمها للمقارنة والتقابل. إننا لن نتمكن من فهم الكارثة التي نتعامل معها فهما حقيقيا من غير تلك التقارير ".
ويقول [البروفيسور] ج. كيث ستل، المتخصص في دراسات أمن الحشود ومخاطرها، في رسالة إليكترونية لصحيفتنا، إن حالات "التدافع" البشري الفعلية قلَّما تلاحظ. والحوادث التي يشير إليها الناس على أنها حالات تدافعٍ مختلفةٌ إلى حد بعيد عن حالات التدافع الحيواني المشابهة لها، ويمكن أن يشار إليها بشكل أكثر دقة على أنها حالات من "سقوط الحشود ودهسها".
ويقول ستل: إنه يبدو أن ما "يبدو أنه سقوطُ حشود ودهسُها ينشأ عن طريقتين من الحركة في مكان مغلق". وهذا [نوع من] التضاغط ــ لا التدافع. وحالات سقوط الحشود وتداهسها [أي أن يدهس بعضهم بعضا] بسيطة من حيث العملية الميكانيكية، مع الأسف: فإذا ما دُفع الناس دفعا شديدا بعضهم ضد بعض (أي 7 أشخاص في فضاء مساحته [ثلاثة أمتار مربعة تقريبا] كما تقول إحدى الدراسات) فمن الضروري إلى أقصى أحد أن يستمر الذين في مقدمة الحشد في التحرك بسرعة تماثل السرعة التي يتحرك بها الذين يسيرون وراءهم. أما إذا لم يحدث ذلك فسوف يتحرك الذين في الخلف إلى الأمام ــ حين لا يستطيعون رؤية مقدمة الحشد ـــ بحثا عن مزيد من الفراغ المكاني، مفترضين أن الذين أمامهم سوف يستمرون في إفساح الطريق لهم. فإذا صار الفراغ أقل تناسبا لسبب ما ـــــ إما لأن شيئا ما اعترض المجموعة التي في المقدمة، أو لانتشار إشاعة بين الذين في الخلف عن تعرض الناس للسقوط والدهس، وهو ما يجعل الحشد يزيد من سرعته ــ وهو ما يؤدي إلى [عَصْر] الذين في المقدمة، فسوف ينشأ عن ذلك إنتاج قوة تكفي لسقوط االناس ودهسهم في المكان الذي يقفون فيه.
ويقول ستل إن "الصورة التي أَستخدمها لتصوير هذا الحدث في أثناء تدريسي [لهذه الظاهرة] هي دفع بيضة في [مؤخرة] دجاجة" [لصعوبتها واستحالتها].
وأكثر الاحتمال أن تبدأ أكثر حالات السقوط والدهس القاتلة بحالة وفاة واحدة أو بعدد قليل من الوفيات التي تنشأ عن القوة الهائلة للجماعة المتلاحمة، وهو ما يتسبب في ذعر جماعي. وربما لا تنشأ حالات الاندفاع عن تحرك قوي واع إلى الأمام. بل يجادل الخبراء أن إلقاء اللوم على سلوك "الحشد" خطأ، إذ يمكن أن تنشأ أكثر حالات السقوط والدهس عن محدودية المكان الذي يقفون فيه. بل حتى حالات السقوط والدهس أو التدافع التي تحدث في حالات الكوارث الصاخبة كالمباريات الرياضية ومناسبات البيع المخفَّض أو الاحتفالات الموسيقية ربما تعود إلى الإجهاد البدني بدلا من كونها نتيجة لأي سلوك بشري محدد.
ويقول ستل الذي درس في السابق حركات معينة من حركة الحشود خلال الحج من أجل تقديم بعض الاستشارات الخاصة بالتحكم في الحشود إن من الصعب تحديد ما حدث للحشد في يوم الخميس [الذي وقع فيه التدافع في منى] بصورة دقيقة. لكنه يظن أنه لابد أن قدرا هائلا من الذعر قد حدث.
ويفسِّر ذلك قائلا: "يبدو كأن هذا الحادث كان نتيجة للتضاغط بين تيارين متقابلين [يسيران] بسرعة تجاوزت قدرة النظام الآمنة [على استيعابه]. وحالما يحدث ذلك فسيكون الوقت متأخرا حينها لإيقاف الحادث عن التصاعد. 
وحين يُصاب الناس بالذعر يزداد الأمر سوءا. ذلك أننا [بوصفنا بشر] ضحايا لنظامنا الأحيائي [البيولوجي] حين نكون داخل حشد متضاغط بقوة. لذلك لن تكون الاستجابة المعهودة المتمثلة بمبدأ "إما أن تقاتل أو تهرب"، حين يندفع الإدرينالين، عاملا مساعدا أبدا. ذلك أنه إذا استطاع المتضاغطون الذين يتصارعون للبحث عن متسع من المكان تهدئة أنفسهم والعودة إلى وعيهم، فلن تحدث حالات السقوط والدهس هذه. لكن أكثر الناس سيكونون عبيدا لتسارع ضربات القلب والشعور بالحاجة الفائقة للتنفس حين يواجهون الموت ــ وعندها تحدث الرغبة الجامحة في الهرب إلى مكان آمن مهما كلف الثمن. 
ولمنع السقوط والدهس من النوع الذي حدث [في منى]، يعمل ستل وباحثون مثله على التنبؤ بالحركة التي ربما يرغب الحشد أن يقوم بها. فهو يقول لصحيفتنا في مقابلة سابقة عن التحكم بالحشود: "إن [فهْم] ذلك كله يكمن في الرياضيات والتنظيم وعلم النفس". فيحتاج القائمون على تنظيم الحشود، حين يشارك الناس في مناسبة دينية، إلى أن  يتنبهوا إلى سرعة هؤلاء الأفراد والاتجاه الذي يحتمل أن يتخذوه، تبعا للهدف من ذلك التجمع. فإذا لم تستطع أن تجتهد على تيسير [تلك السرعة والاتجاه] فسوف تنتهي إلى إثارة أنواع من السلوك المؤدية إلى الإحباط". ويمكن أن تؤدي تلك الأنواع من السلوك المحبَط إلى موجات من الرعب الذي يصيب الجمع المتضاغط بقوة.
وقد صار من الممكن جدا في العالم المعاصر لحشود هائلة أن تتجمع. إذ يمكن أن يطير الناس إلى أي مكان في العالم للاشتراك في مناسبة دينية أو اختطاف نظرة إلى أحد القادة. وستظل حالات سقوط الحشود ودهسها احتمالا مرعبا في أي واحد من مثل هذه التجمعات.
___


سأضيف تباعا مصادر أخرى لقراءة خلفية الحدث... (علم نفس- طب طواريء- علم كوارث-)

الجزء الأول: http://shayunbiqalbi.blogspot.com.eg/2015/09/blog-post_26.html
الجزء الثاني:  http://shayunbiqalbi.blogspot.com/2015/09/blog-post_59.html


مصادر متعلقة بالموضوع:

https://twitter.com/wwcrowds/status/647306732776095744

هام جدا:  لماذا يجب أن تخفف الحواجز الحديدية حول الخيام لتلقي المصادمات؟  

شاهد..ماذا فعل بعض الحجاج هرباً من الموت؟

"On the left side and the right side there were tents. They closed their doors and said sorry, we can't let anyone enter. I asked the question: if you'd only open your doors, people would only come into your tent just for five or 10 minutes. And I say then, no-one would have died."

في وجود جموع غفيرة، كيف نحافظ على سلامتهم؟. مقال النيويوركر



Crowd safety expert - 'Hajj is like a city on the move'
Blaming the victims?
 Hajj 'stampede'
Collection of news..what is the correct term..crush/ stampede?
((Please ignore all references to the words “Stampede”, this site condemns the use of this description of a crowd related incident as misleading to the reader. Please read the related research by professional and respected practitioners in the field of crowd safety management, risk analysis and phycology to better understand the events of today)) 

Social identification moderates the effect of crowd density on safety at the Hajj


To shoot an Elephant!